سنة القديس بولس من 29-6-2008 لغاية 29-6-2009 بمناسبة الالفية الثانية لمولده

عظة قداسة البابا بندكتس السادس عشر بمناسبة افتتاح السنة البولسية

السادة الكرادلة، صاحب القداسة والإخوة المبعوثون، أيها الإخوة الأجلاء في الأسقفية والكهنوت، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،

نجتمع بالقرب من ضريح القديس بولس، الذي ولد منذ 2000 سنة، في طرسوس بكيليكية، في تركيا اليوم. من كان بولس هذا؟ أمام الحشد الهائج الذي كان يبغي قتله في أورشليم، يقدم بولس ذاته بهذه الكلمات: " إِنّي رجُلٌ يَهودِيٌّ، وُلِدْتُ في طَرْسوسَ بكيليكِيةَ، بَيْدَ أَنّي رَبيتُ في هذِهِ المَدينَةِ [أورشليم]، وتأَدَّبْتُ بدِقَّةٍ لدى قدَمَيْ غَمالِئيلَ على ناموسِ آبائِنا؛ وكُنتُ غَيورًا للهِ ..." (رسل 22، 3). وفي ختام مسيرته سيقول عن نفسه: "لقد جُعلت... معلمًا للأمم بالإيمان والحق" (1 تيم 2، 7)؛ راجع 2 تيم 1، 11). معلم الأمم، رسول يسوع المسيح والمعرف عنه، بهذا الشكل يصف نفسه ناظرًا إلى الوراء، إلى مسيرة حياته. ولكن بذلك، لا يرجع النظر فقط إلى الوراء. "معلم الأمم" – تنفتح هذه الكلمة على المستقبل، على كل الشعوب وكل الأجيال. ليس بولس بالنسبة لنا شخصية من الماضي، نذكرها ونكرمها. بل هو أيضًا معلمنا، ورسولنا والمعرف عن يسوع المسيح. لذا، لسنا مجتمعين هنا للتفكير بقصة من الماضي، تخطاها الزمان دون رجوع. فبولس يريد أن يخاطبنا اليوم. ولذا أردت أن أعلن هذه "السنة البولسية" الخاصة: لكي نصغي إليه الآن ونتعلم منه، كمعلمنا، "الإيمان والحق"، اللذين تتجذر فيهما دواعي وحدة تلاميذ يسوع

هذا المنظور أردت أن أوقد، بمناسبة الألفية الثانية لمولد الرسول، "شعلة بولسية" خاصة، ستبقى متقدة طوال العام في مشعل خاص في رواق البازيليك. ولكي أجعل الحدث احتفاليًا، قمت بافتتاح "الباب البولسي"، الذي دخلت عبره إلى البازيليك، يرافقني بطريرك القسطنطينية، والكاردينال رئيس الكهنة، وسواهما من السلطات الدينية. إنه لمدعاة فرح عميق لي أن يتخذ افتتاح السنة البولسية طابعًا مسكونيًا خاصًا لأجل حضور عدد كبير من المبعوثين والممثلين عن الكنائس الأخرى والجماعات الكنسية، التي أستقبلها بانفتاح قلب. أحيي في المقام الأول صاحب القداسة البطريرك برثلماوس الأول وأعضاء البعثة التي ترافقه، كما وأحيي حشد العلمانيين الكثيف الذين أتوا من كل حدب وصوب إلى روما لكي يعيشوا معه ومع الجميع وقفة الصلاة والتأمل هذه. أحيي المبعوثين الإخوة من الكنائس التي لها رباط خاص بالرسول بولس – أورشليم، أنطاكيا، قبرص، اليونان – والتي تشكل البيئة الجغرافية لحياة الرسول قبل وصوله إلى روما. أوجه تحية قلبية إلى ممثلي الكنائس الأخرى والجماعات الكنيسة في الشرق والغرب، وأحييكم جميعًا إذ أردتم أن تشتركوا في هذا الافتتاح الاحتفالي للسنة المكرسة لرسول الأمم

ها نحن نجتمع للتفكير بشأن رسول الأمم الكبير. ونتساءل: من كان بولس؟ ولكن أيضًا وبشكل خاص: من هو بولس؟ ماذا يقول لي؟ في هذه الساعة من بدء "السنة البولسية" التي نفتتحها، أود أن أختار من شهادة العهد الجديد الغنية ثلاثة نصوص تظهر فيها شخصيته الداخلية، وطابعها الخاص. في الرسالة إلى أهل غلاطية، يقدم لنا بولس الرسول اعتراف إيمان شخصي جدًا، يفتح فيه قلبه أمام قرائه في كل العصور ويكشف عن الزخم الأعمق في حياته: "أحيا بإيمان ابن الله الذي أحبني وبذل ذاته لأجلي" (غلا 2، 20). كل ما يفعله بولس ينطلق من هذا المحور. إيمانه مبني على خبرته لمحبة يسوع له بشكل شخصي بالكلية؛ هو وعي بأن المسيح واجه الموت لا لأجل سبب مجهول، بل حبًا به، ببولس، وأنه كقائم من الموت، يحبه الآن أيضًا، وكمسيح وهب ذاته لأجله. إيمانه هو أنه تتيّم بغرام يسوع المسيح، الذي يحبه بمحبة تصل إلى أعمق أعماقه وتحوله. إيمانه ليس نظريات، أو أفكار بشأن الله والعالم. إيمانه هو وقع حب الله في قلبه. ولذا فهذا الإيمان بالذات هو حب ليسوع المسيح. يقوم الكثيرون بتقديم بولس كرجل محارب يعرف أن يستعمل سيف الكلمة. وبالواقع، في مسيرته كرسول لم تنقص النقاشات. لم يبحث عن تناغم سطحي. في أولى رسائله، تلك الموجهة إلى أهل تسالونيكي، يقول: " تجرَّأْنا في إِلهِنا على أَنْ نُكلِّمَكم بإِنجيلِ اللهِ، في جهادٍ جَمّ... فإِنَّا لم نَعتَمِدْ قَطُّ كلامَ تَمَلُّقٍ، على ما تَعلمون" (1 تسا 2، 2 . 5). كانت الحقيقة بالنسبة له عظيمة جدًا ولم يكن مستعدًا البتة أن يضحي بها لأجل نجاح خارجي

إن الحقيقة التي اختبرها في اللقاء مع القائم من الموت كانت تستحق منه هذا الصراع، وأن يحتمل الاضطهاد والألم. ولكن الدافع الذي كان يحركه في العمق كان حب يسوع المسيح له، وشوقه أن ينقل إلى الآخرين هذا الحب. كان بولس رجلاً لمسه حب عظيم، وهذا الحب وحده هو المحور الذي يشرح كل جهده وألمه. يمكننا أن نفهم المفاهيم الأساسية لبشارته فقط انطلاقًا من هذا الحب. لنأخذ بعين الاعتبار أحد هذه المفاهيم الأساسية: الحرية. إن خبرة محبة المسيح له فتحت عينيه على حقيقة وسبيل الوجود الإنساني – وهذه الخبرة كانت تغطي كل شيء. كان بولس حرًا كرجل يحبه الله، وبفضل الله، كان قادرًا أن يحب معه. هذا الحب هو الآن "شريعة" حياته وبهذا الشكل أصبحت حياته حرة. يتحدث بولس ويعمل انطلاقًا من مسؤولية الحب. الحرية والمسؤولية تتحدان بشكل لا ينفصم. وبما أنه يعيش في مسؤولية الحب، بولس حر حقًا: وبما أنه شخص يحب، يعيش بالكلية في مسؤولية هذا الحب ولا يغتنم الحرية فرصة للأنانية والاعتباطية. بالروح عينه، أطلق أغسطينوس العبارة التي أصبحت شهيرة في ما بعد: (Dilige et quod vis fac) أحبب وافعل ما تشاء(Tract. in 1Jo 7 ,7-8). من يحب المسيح كما أحبه بولس، يستطيع أن يفعل حقًا كل ما يشاء، لأن حبه متحد بإرادة المسيح وبالتالي بإرادة الله؛ لأن إرادته ترسي على الحقيقة، ولأن إرادته ليست إرادته وحسب، اعتباطية الأنا المستقل، بل هي متحدة بحرية الله ومنها تنال السبيل الذي يجب أن تسير فيه

في البحث عن المعالم الداخلية للقديس بولس أود، في المقام الثاني، أن أذكر الكلمة التي وجهها المسيح القائم لبولس على طريق دمشق. يسأله الرب أولاً: "شاول، شاول، لما تضطهدني؟" فيجيب: "من أنت يا رب؟" فيأتي الجواب: "أنا يسوع الذي تضطهده" (رسل 9، 4 +). باضطهادة الكنيسة يضطهد بولس يسوع بالذات. "أنت تضطهدني". يماثل يسوع نفسه مع الكنيسة بشخص واحد. في هتاف القائم من الموت هذا، الذي حول حياة شاول، نجد كامل لاهوت الكنيسة كجسد المسيح. لم ينكفئ يسوع إلى السماوات تاركًا على الأرض جمعًا من الأتباع ليكملوا "قضيته". الكنيسة ليست جماعة تريد أن تعزز قضية ما. الكنيسة لا تحمل قضية. الكنيسة تحمل شخص يسوع المسيح، الذي بقي "جسدًا" حتى بعد القيامة. هو "لحم وعظم" (لو 24، 39)، بحسب ما يقول القائم من الموت عن ذاته في إنجيل لوقا لدى ظهوره إلى التلاميذ الذين ظنوا أنه خيال. يملك يسوع جسدًا. وهو حاضر شخصيًا في كنيسته، "الرأس والجسد" يشكلان فردًا وحدًا، بحسب القديس أغسطينوس. "ألا تعرفون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟" يكتب بولس إلى أهل كورنثوس (1 كور 6، 15). ويضيف: كما هو الحال في كتاب التكوين حيث يضحي الرجل والمرأة جسدًا واحدًا، كذلك المسيح مع خاصته يضحي روحًا واحدًا، أي يضحي شخصًا فريدًا في عالم القيامة الجديد (راجع 1 كور 6، 16 +). وفي كل هذا يظهر السر الافخارستي، الذي فيه يهب المسيح باستمرار جسده ويجعلنا جسده: "الخبز الذي نكسره، اليس شركة مع جسد المسيح؟ لأن هناك خبز واحد، ونحن، رغم أننا كثر، فنحن جسد واحد: جميعنا نشترك بالخبز الواحد" (1 كور 10، 16 +). بهذه الكلمات يتوجه إلينا، لا بولس وحده، بل الرب بالذات: كيف استطعتم أن تمزقوا جسدي؟ أمام وجه المسيح، هذه الكلمة تضحي في الوقت عينه طلبًا ملحًا: لم شملنا من كل الانقسامات. فليضحي اليوم من جديد حقيقة هذا الأمر: هناك خبز واحد، ولهذا، نحن، رغم كثرتنا، نحن جسد واحد

بالنسبة لبولس، الكلام عن الكنيسة كجسد المسيح ليس تشبيهًا كسواه. إنه أمر يتخطى التشبيه. "لم تضطهدني؟" يجتذبنا يسوع باستمرار إلى داخل جسده، ويبني جسده انطلاقًا من المحور الافخارستي، الذي هو بالنسبة لبولس محور الوجود المسيحي، والذي بفضله، يستطيع كل فرد أن يختبر بشكل شخصي: أحبني وبذل ذاته لأجلي. أود أن أختم بكلمة متأخرة للقديس بولس، بتحريض من السجن وجهه لتيموثاوس، وهو بوجه الموت. "تألم معي أنت أيضًا لأجل الإنجيل"، يقول الرسول لتلميذه (2 تيم 1، 8). هذه الكلمة التي تقف في ختام الدرب الذي سار فيه الرسول كوصية، تعيدنا إلى الوراء إلى مطلع رسالته. بعد لقائه بالقائم، مكث بولس أعمى في مسكنه في دمشق، وتسلم حنانيا مهمة أن يذهب إلى المضطهد المرهوب لكي يضع عليه الأيدي فيستعيد البصر. وجوابًا على اعتراض حنانيا الذي أشار إلى أن بولس هذا كان مضطهدًا خطيرًا للمسيحيين، يأتي الجواب: يجب على هذا الرجل أن يحمل اسمي أمام الشعوب والملوك. "وأنا سأريه كم يجب عليه أن يتألم لأجل اسمي

إن تلقي المهمة التبشيرية والدعوة إلى الألم لأجل المسيح هما أمران لا ينفصلان. الدعوة لكي يصبح معلم الأمم هي في الوقت عينه وبشكل جوهري دعوة إلى الألم في شركة مع المسيح، الذي فدانا بفضل آلامه. في عالم يسود فيه الكذب بقوة، يضحي الألم ثمن الحقيقة. من يرفض الألم ويحاول إبقاءه بعيدًا، يبعد عن ذاته الحياة وعظمتها؛ لا يستطيع أن يكون خادمًا للحقيقة وخادمًا للإيمان. ما من حب دوم ألم – دون ألم التخلي عن الذات، والتحول وتطهير الأنا من أجل الحرية الحقة. تفقد الحياة عينها معناها عندما لا يوجد شيء يستحق أن يتألم الإنسان لأجله. ترتكز الافخارستيا – محور كياننا المسيحي – على تضحية يسوع لأجلنا. لقد ولدت الافخارستيا من ألم الحب، الذي وجد في الصليب قمته. نحن نعيش بفضل هذا الحب الذي يهب ذاته. هذا الحب يهبنا الشجاعة والقوة لنتألم مع المسيح ولأجله في هذا العالم، عالمين أنه بهذا الشكل تضحي حياتنا عظيمة وناضجة وحقيقية. على ضوء كل رسائل القديس بولس نرى كيف أنه في مسيرته كمعلم الأمم تتحقق النبوءة التي سمعها حنانيا عندما تلقى مهمته لزيارة بولس: "سأريه كم ينبغي عليه أن يتألم لأجل اسمي". إن ألمه يجعله معلمًا للحقيقة جديرًا بالتصديق، لأنه لا يبحث عن منفعته، وعن مجده الخاص، وعن اكتفائه الذاتي، بل يلتزم لأجل من أحبنا ووهب ذاته لأجلنا كلنا. في هذه الساعة، نشكر الرب، لأنه دعا بولس، جاعلاً منه نورًا للأمم ومعلمًا لنا جميعًا، ونصلي إليه: أعطنا اليوم أيضًا شهودًا للقيامة، مولعين بحبك وقادرين أن يحملوا نور الإنجيل في زماننا. يا مار بولس، صل لأجلنا! آمين.

بندكتس السادس عشر

الرسول بولس

بولس العظيم

قال البعض عن القديس بولس أن بولس هو المسيحية. وتجرّأ آخرون فقالوا أن بولس هو مخترع المسيحية. فالمسيح بشّر وعلّم، لكن بولس هو أرسى القواعد، وشيّد بناء الكنيسة في إطار علمي وعقائدي. ولا شك أن بولس بفضل ثقافته اليونانية أضفى على المسيحية إطاراً منطقياً مترابطاً. وصحيح هو القول أن المسيح أسّس ديانة أدبية، إنجيلية، بسيطة؛ أما بولس فأسس ديانة عقائدية ولاهوتية. المسيح هو كل شيء لبولس "أنا حي لا أنا بل المسيح حيٌّ فيَّ" وما يقوله الرسول عن المسيح وعن ارتباطه به، وعن شغفه بشخصه، وتكرّسه لخدمته يبعد كل تفكير عن تباعد بولس عن المسيح. فهو رسول وتلميذ ومبشّر كبير بالمسيح. وفي بولس يتحقق القول السيدي: "لا يمكنكم أن تفهموا كل شيء الآن، لكن الروح القدس سيشرح لكم كل شيء." (يو 14: 26) وفي الحقبقة قال الأب Allo عن تأثير بولس على المسيحية "أن الروح القدس شرحها بواسطة بولس." كل هذا لتبيان مكانة الرسول في المسيحية وفي تاريخها: ان الإنجيل يبين ناقصاً بدون رسائل بولس، وكذلك المسيحية.. هو الشاهد الأعظم، والمفكر النابغة، والرسول الذي تعب أكثر من الكل. هو إمام لكل السائرين في طريق الحياة. بين كتاب العهد الجديد هو الكاتب الأكثر حيويةً، وكمالاً؛ فمشاكله مشاكلنا، وكلامه نسمعه قبلاً في أعماق قلوبنا؛ ان صوته ينادينا من بعيد إلى المسيح

بولس واستفانوس

قبل أن يذكر سفر الأعمال أعمال بولس يذكر استشهاد القديى استفانوس وموته وخطبته ويقول: "أما الشهود فخلعوا ثيابهم ووضعوها على قدمَي فتى يُقال له شاول.. وكان شاول موافقاً على قتله.." (أعمال 7: 58). هناك ارتباط ببن موت القديس استفانوس واهتداء القديس بولس. فبولس رأى شهادة الدم. وهذه تفاعلت في قلبه وحملته على الارتداد. يذكر سفر الأعمال استفانوس كأول شهيد في المسيحية للتدليل على أن المسيحية شهادة قبل كل شيء وشهادة تصل بالإنسان الى الموت. المسيحية هي موت وحياة. كان استفانوس كما يذكر سفر الأعمال "رجلاً ممتلئاً نعمةً وقدرةً." (أعمال 6/8) لم يستطع أحد أن يقاوم الروح الذي كان ينطق بلسانه. حتى بولس نفسه. (أعمال 6/13) وقد عمل على انتشار الكلمة. وقد حاجج اليهود وأفحمهم وتجرّأ أن يقول لهم يا قساة القلوب... ما زلتم نعاندون الروح القدس... وكان شاهداً حقاً للكلمة، ذا قلب ملتهب وشجاع، لم يتردّد ولم يبخل بحياته من أجل المسيح. فأصبح إمام الشهداء وأولهم. بعد موت استفانوس ظلت صورة موت الشهيد الأول تطوف في مخيلة بولر. وكانت هذه الرؤية مثل خميرة، فظل َّ بولس طيلة حياته يذكر هذه الحادثة المروّعة فيقول: "كيف اضطهدت كنيسة الله.." "وحين سفك دم استفانوس كنت أنا أيضاً واقفاً وموافقاً لقاتليه، وحافظاً ثيابه." (أعمال الرسل 22/20). وهكذا فهم بولس أن لا شيء دون دم ولا انتصار دون دم. ان المسيحية تثبُت بواسطة الدم وعاشت حتى تكمل ما نقص من آلام المسيح. (كو 1/24). ان الشهادة الحقّة هي التي أثّرت في بولس العظيم. بدون موت استفانوس لن تحصل الكنيسة، يقول القديس اغوسطينوس على بولس. في كل عصر ومصر الشهادة الحقّة والالتزام الحقيني هو الدليل على المسيحية. وأعظم شهادة هي شهادة الدم

على طريق دمشق

بعد موت استفانوس أصرَّ بولس على اضطهاد المسيحية. فبعد لم تكمّل النعمة عملها في قلبه. فذهب إلى دمشق "وصدره ينفث تهديداً وتقتيلاً لتلاميذ الرب." (أعمال 9/1) وإذ اقترب من دمشق إذا نور من السماء قد سطع حوله فسقط على الأرض وسمع صوتاً يناديه: "شاول، شاول لِمَ تضطهدني. فقال مَن أنت يا سيّدي. قال له أنا يسوع الذي أنت تضطهده.." (أعمال 9/1). وهو على الطريق كانت تمثل أمام أعينه صورة استفانوس. أجاب بولس على النداء: "ماذا تريد يا رب أن أعمل". قهره الروح، وصرعه على الطريق؛ ولم يتردد وهو طيّب القلب عن تلبية النداء. كان بولس رجلاً عنيفاً جداً. قلبه لا يسعه كما يقال. التهب قلبه غيرةً على دين آبائه وذهب إلى البيعد فاضطهد كل من يقاوم هذا الدين. هذه أول ملامح الرسول: قلب ملتهب، ونفس متحمسة، لا يخمد لهيبها ولا ترضى بالقليل. ولأنه عنيف استعمل الله معه طريقة العنف للارتداد. كان يجب أن يتحوّل القلب الكبير من حبٍّ شريعة موسى إلى حب شريعة المسيح بطريقة عنيفة. ان الله يستعمل طرُقاً مختلفة للارتداد. وكل شيء يقود إلى الله. لكن الارتداد يهيّأ في قلب بولس: رؤية القديس استفانوس، منظر المسيحيين المتحمسين لدينهم حتى الموت؛ تأملات طويلة وعميقة في التوراة؛ أقوال معلمه جملئيل؛ كل هذه هيّأت قلب بولس للدعوة. وعندما سمع النداء لم يتردّد. إن كل اهتداء هو نتيجة حتمية لمأساة في القلب. هذه كانت مأساة ألكسي كاريل، وجاك مرتان، وهنري برغسون، وقبلهم القديس اغوسطينوس وفرنسيس الأسيزي. هذه المآسي لم تجد لها حلاًّ إلاّ في المسيح يسوع. فالمسيح الذي وُلد في قلب بولس هو مسيح جديد

خلوة في حوران

يقول القديس بولس بعد وصف اهتدائه، "لم أصعد إلى أورشليم، بل ذهبت لساعتي إلى ديار العرب ثم عدت إلى دمشق، وبعد ثلاث سنوات صعدت الى أورشليم." (غلا 1/16). مضت فترة طويلة قضاها بولس بعد الارتداد وقبل التبشير في حوران. كان ذلك ضرورياً لتمام التحوّل في نفسه والتغيبر في قلبه، وللتصميم لحياة جديدة. هناك في الخلوة تأمّلَ بولس طويلاً، وحفر الأُسس، وصمّم على مواقف معيّنة في الحياة وجرَّبَ طرُقاً كثيرة ثم ذهب ليبشِّر. كل عمل عظيم يتهيّأ بالخلوة. المسيح نفسه قضّى ثلاثين سنة استعداداً لئلاث سنين تبشيرية؛ وقضى أربعين يوماً استعداداً لتبشير قريب. نحن نهرب من الصمت والعزلة. لكن كم أحبَّها المسيح، وكيف أحبَّها القديس بولس. ارتدَّ بولس حسب بعض الكتبة سنة 30 بعد المسيح ولم يبدأ التبشير إلا سنة 44. لم يكتفِ بولس بالخلوة والصمت؛ بل صعد إلى أورشليم ليسمع أقوال الشهود الأولين للسيّد، وليتحدّث معهم. ومن أورشليم أُرسل إلى أنطاكية ليتدرَّب أكثر على يد رسول أكثر خبرة وأكبر سناً. الرسالة التي حملها بولس هي رسالة صمُّمت بتدقيق وبتنظيم. فهناك ترابط منطقي، وتسلسل فكري، وأسلوب متصل الحلقات؛ مُحكَم البناء، ترتفع فيه المداميك باتّزان متماسكة ومتراصّة الحجارة. كل حياة خصبة يجب أن تنتهج هذا النهج: لا بدّ لها من صمتٍ، ونفكير طويل وتصميم، ولا بدّ لها من ندريب متدرّج ومتطوّر. لا يتمُّ اكتشاف المسيح إلا بعد عزلة؛ ولن تكشفه للغير إلاّ بعد أن نكشفه نحن.

قلب ملتهب

منذ اكتشف بولس المسيح اندفع في خدمته وتفانى في التبشير به. ليس بولس رجلاً غير اعتيادي. كان قصير القامة، ممتلئ الجسم، أعوج الرجلين، أصلع الرأس، وأفطس المنخار. ولكن إشعاع هذا الإنسان كان عظيماً. إن كل من حرمته الطبيعة من قوة وبأس وجمال يمتاز ببأس روحي لا مثيل له. فشاول كان رجلاً لا يحيا لنفسه؛ كل حياته جهاد ومقارعة وحركة، كانت عنده نفس جبّارة يساعدها عقل ثاقب؛ وعاطفة قوية، وإرادة تندفع إلى الموت. وعندما اكتشف بولس المسيح شُغف به فتحول وتبدّل، وأصبح له المسيح كل شيء. هو حيّ به؛ لا شيء يفصله عنه؛ هو مستعدّ للموت في سبيله؛ المسيح أصبح لبولس كل شيء وهو أصبح في كل شيء للمسيح. "أعطيت الله كل شيء لكي أنال الله عوَضاً عن كل شيء." لا يذكر التاريخ أن شخصاً عمل لقضية المسيح وكرّس نفسه لخدمة المسيح ولنشر الإنجيل كبولس. هو الجندي الأمثل والمجاهد حتى الموت. فزاه مدة ثلاثين سنة لا يهدأ له فكر، ولا حال. يتنقّل وينشر، يعظ ويؤسّس الكنائس؛ يذهب ليعود، يؤسس كنيسة ويتركها ليؤسس أخرى؛ يكتب الرسائل تلو الرسائل، وكلها تحوي تفصيلاً، وتدريباً وتنظيماً للحياة المسيحية. المسيحية بعد أن كانت ديانة بسيطة ورغبة في خدمة المعلم؛ مع بولس أصبحت عقيدة وأسلوباً. كل هذا وبولس فقير بالجسد، مريض، ويلتزم بالعمل ليأكل وليعيش. ورغم هذا لا حدود لشجاعته ومحبته؛ لا شيء يثنيه عن قصده؛ فالإيمان عنده عظيم راسخ كالجبال. تقسم حياة الرسول بولس التبشيرية إلى قسمين: بشّر المحيط الشرقي: آسيا الصغرى واليونان؛ ثم روما. كم من المدن والقرى رأت هذا الرسول في عصر كان فيه السفر صعباً إذ قد يقع في أخطار اللصوص ويلفحه الحرّ أو البرد؛ يذهب أول مرة ثم ثاني مرة ثم ثالث مرة. فمحبة المسيح تحثّه بأنّات لا توصف. وهو يطاوع نداء الرب.

نذكر قبرس، وانطاكية وغلاطية وفيلبي وتسالونيكي وأثينا وكورنثس وأفسس ثم الجزُر رودوس وسامس. نعم قد نجح بولس. ولكن كم لاقى من صعاب. وجد مقاومة اليهود له، وعقلية الوثنيين البعيدة عن عقلية المسيحية، واضطهادات لا عدَّ لها. ونجد في حياة بولس فئة مختارة أحاطته بالمحبة وأخلصت له. فهناك مرقس وتيطس وتيموثاوس ولوقا؛ وهناك نساء: ليديا وبرسكيلاّ. هذه نفوس وثق بها بولس واتّكل عيها لتتابع عمله وتكمّله. هذه حياة رسول الأمم: لا هدوء فيها ولا توقف. هل يمكنه أن يرى الشعوب بعيدة عن المسيح وهو يقف مكتوف اليدين؛ كيف يرى مدناً وقرى لم تنتشر فيها أنوار المسيح ولا يذهب إليها مبشراً؛ محبة المسيح تحثُّه فلا يهدأ ولا يكلّ ولا يتعب. نحن نعدّ أعمالنا، وملايين من البشر لم تعرف المسيح. كم من أبعاد بيننا وبين بولس. هو مثال للرسول الذي لا يعرف الكلَل ولا اليأس. إنما لا بدّ لهذه الرسالة المتحركة النشيطة من شغف وعشق وحماس. لا بدّ من قلب ملتهب

روما في الأخير

كانت روما محطّ أنظار بولس. لا بدّ أن يرتفع الصليب حيث ارتفع تاج أباطرة الرومان، فسلطة المسيح يجب أن تسود فوق سلطة الملوك، فيسوع حقيقة هو رب الأرباب. منذ زمن وبولس يتّصل بالجالية الساكتة في روما. روما مدينة المليون، وفيها من كل جنس ولون، رومان وغوط وجرمان وزنوج واسبان وسوريون. هي أرض صالحة لعمل رسول الأمم. في روما نشأت المسيحية بسبب هرَب كثير من المسيحيين من فلسطين خوفاً من الاضطهاد، فنفرَّقوا وتشتَّتوا بين الأمم، ووصلوا إلى روما، وكانت فيها جماعة مسيحية مهمة. بطرس الرسول عمل قبل بولس في روما فتعهّدها وأنماها ومات فيها في نفس السنة التي مات فيها بولس الرسول. لكن عمل الرسولين يختلف مع اختلاف طبعهما. فكلمة المسيح تنكيّف حسب الأطباع، والنعمة لا تغيّر أطباع الإنسان وأخلاقه، بل تحوّرها وتكمّلها وتوجهها شطر الله. بطرس عمل مع اليهود، أما بولس فعمل مع الوثن؛ وكمَّل الواحد عمل الآخر، فقامت كنيسة المسيح. هي كنيسة للكل دون تمييز واستثناء. في روما جال بولس وصال. كان يتمتع بحصانة رومانية، ولذلك خفّت القيود عنه، فأخذ يعمل ويعظ وينظم. وقد ساعده في ذلك التلاميذ الذين اختارهم تيموثاوس وتيطس. ان حجز الرسول في روما كان سبباً لنجاح الإنجيل. فكلمته، وشخصيته وحياته والحوادث التي كان يسردها على مسامع المؤمنين ثبّتت الاخوة وشجّعت الكلمة ونشرت الإنجيل، وتسرّب الإنجيل إلى البلاط والى الأغنياء ومنهم نيلس الذي أصبح أول بابا بعد بطرس الرسول.

وهو في الأسر لم يهدأ بولس الرسول. أخذ يكتب الرسائل التي امتازت بلغتها العاطفية وطابعها الأدبي. وأُخلي سبيل بولس بما انه روماني الجنسية. فهبَّ كالأسد من جديد ليبشّر فذهب كما تقول التقاليد إلى اسبانيا والى آسيا الصغرى وفي طروادة أُمسِكَ من جديد واقتيد إلى روما. كان يجب أن تنتهي حياة بولس في روما. فهو مع بطرس صنوان لا يفترقان؛ فبطرس كان الرأس، وبولس كان العقل المفكّر، والدماغ الأكبر للمسيحية. ان كنيسة المسيح هي رئاسة وعلم؛ هي ادارة وتعليم. وبلغ بولس إلى غروب الحياة فهل توقف عن العمل، وتوقف عن خدمة الملكوت. لا صحة تساعده وعيناه تعانيان من مرض، مع ذلك ظلَّ يعمل إلى آخر رمق من حياته. التعب لا يعرفه المتحمسون ذوو القلوب الملتهبة. التعب لا يعرفه أولئك العقائديون الذين ترسخت فيهم العقيدة وتسرّبت إلى قلوبهم المحبة. عالم اليوم ينقصه رجال متحمسون كبولس اكتشفوا المسيح وتحمّسوا لقضيته. مسيحية اليوم وكنيسة اليوم لا ينقصها علم ولا مال ولا كنائس ولا رجال ولا كهنة رغم قلّتهم، ولا ينقصها شيء، ما ينقصها هو قلوب ملتهبة متحمسة شغوفة بالمسيح.

بولس وشهادة الدم

كان من الضروري أن تختم حياة بولس بشهادة الدم. فحيث تميل الشجرة فهناك تسقط؛ وحيث يميل رجل مثل بولس، عملَ وجاهد وبشَّر، يجب أن يسقط في شهادة دم. وحَسْب التلميذ أن يكون مثل معلمه. كأن هذا الرسول أحسَّ أن الأيام قليلة فأخذ يستثمر وقته ومواهبه ويكّرسها لخدمة مَن أحب. الآن بولس هو في سجن مظلم يتعذّب من الجوع والبرد ومن السماع بأن كثيرين تركوا المسيح وخانوا الرسالة. فكان يعزّي نفسه فيقول: "قد جاهدت الجهاد الحسن وأتممت السعي فلا يبقى لي إلاّ إكليل الجهاد الذي يجزيني به الرب الديّان.." (2 تيمو 4/6). انتظر الساعة التي فيها تُراق نفسه سكيباً لأجل الله.

فقطعت هامته بعد يومين من موت بطرس الرسول الهامة سنة 67، لأنه يهودي. وتقول رواية أن ثلاثة ينابيع انفجرت في الموضع الذي فيه سقطت هامة رسول الأمم. الكنيسة كرّمت هذا الرسول كثيراً. وخصَّته في ليتورجيتها. هو لا يزال رسول الأمم. رسائله هي غوث لكل نفس تسعى إلى الرسالة الحقّة. هو يبشر بأن الإيمان مع نور العقل يحلّ مشاكل الإنسان؛ ويبسط تجاه نسيان العالم للحقيقة الأزلية حقيقة الله والمسيح؛ ومقابل اليأس الذي تسرّب إلى قلب الإنسان يكشف بولس حقيقة الرجاء المسيحي. وفي عالم يضجّ بالحقد والبغض والعداء يبسط القديس بولس مثل الإنجيل ضرورة المحبة؛ بولس هو أعظم رسول لثورة الصليب؛ واليوم تعليم بولس هو تعليم حيّ، عصري، موافق يمكن أن يكون مبادئ ثورة صحيحة حقيقية ضد الظلم واللامبالاة والإلحاد

اهداف السنة البوليسية.

ستُفتتح السنة البولسية في الثامن والعشرين من الجاري، وهي مناسبة لإعادة اكتشاف شخصية رسول الأمم الكاردينال أندريا دي مونتيتزيمولو أجاب عن هذا السؤال بقوله: "لقد كان البابا واضحاً جداً بقوله إن السنة البولسية ستسهم في مساعدة الكاثوليك والمسيحيين عامة على التعرف على القديس بولس وما يمثله رسول الأمم". الهدفان الاساسيان من السنة البولسية هما: التعمق في تعاليم القديس بولس، وتشجيع العمل المسكوني. "لا يزال القديس بولس مجهولاً. نقرأه في ليتورجية كل يوم، ولكن بعض كتاباته صعبة ومن الأهمية فهمها بطريقة افضل، أو بالحري دراستها والتعمق بها". "الهدف الثاني الذي تحدث عنه البابا هو الناحية المسكونية، أي العمل والصلاة من أجل وحدة المسيحيين. بازيليك القديس بولس خارج الاسوار هي الوحيدة التي تعمل لهذا الهدف: الصلاة والعمل من أجل الوحدة".

مقارنة بين القديسين الرسولين بطرس وبولس

• كل منهما كان يهوديًّا: فقد ذكر بولس أنه يهودي من سبط بنيامين ( فيليبي 5:3) ، أما بطرس فلم يذكر الكتاب من أي سبط هو

• كل منهما دعاه الرب: بطرس؛ كان يصيد سمك مع أخيه أندراوس من يحيرة طبريا فقال لهما الرب: هلمَّ ورائي فأجعلكما صيادي ناس. فللوقت تركا الشباك وتبعاه ( متى 4: 8-20) بولس؛ " دعاه الرب في طريق دمشق، إذ أبرق حوله نورٌ من السماء فسقط عل الأرض ( أع 9: 1-4) ودعاه الروح القدس" افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه"( أع 13: 2

• كل منهما غيَّر الرب اسمه: بطرس؛ كان إسمه سمعان بن يونا (يو21: 15) وقد أطلق الرب عليه اسم بطرس (مت 16: 17،18). شاول: تغيَّر اسمه إلى بولس، في بدء دعوته ناداه الرب بإسم شاول ( أع 9: 4) وفي أثنا كرازته دعاه باسم بولس( أع 23: 11)

• كل منهما حل عليه الروح القدس. وكل منهما تكلم بألسنة:بطرس؛ تكلم بألسنة في يوم الخمسين إذ حلَّ عليه الروح القدس. يقول القديس بولس؛ في رسالته إلى أهل كورنثس" أشكر الله أني أتكلم بالسنة أكثر من جميعكم"(1كو 14: 18)

• كان لكل منهما سلطان أن يمنح الروح القدس: بطرس ويوحنا ؛ ارسلهما الرسل الذين في أورشليم إلى السامرة لما آمنت" حينئذٍ وضعا الأيدي عليهم، فقبلوا الروح القدس(أع 8: 17). القديس بولس بعد عمّاد أهل أفسس " لما وضع يديه عليهم، حل الروح القدس فطفقوا يتكلون بلغات ويتنبأون

• كل منهما صنع آيات وعجائب: بطرس" حتَّى إِنَّهم كانوا يخرجونَ بالمَرْضَى الى الشَّوارعِ، ويَضَعونَهم على فُرُشٍ وأَسِرَّةٍ، لِيَقَعَ ولو ظِلَّ بُطْرسَ، عِندَ اجتِيازِهِ، على بَعْضٍ مِنهم. : وكانَ الجَمعُ يُبادِرونَ، حتَّى مِنَ المُدُنِ المُجاوِرَةِ لُأورشَليمَ، حامِلينَ المَرْضَى والمُعَذَّبينَ بالأَرْواحِ النَّجِسة؛ وكانوا جَميعُهُمْ يُشْفَوْن.(أع 5: 15-16) بولس؛ " وكانَ اللهُ يُجْري على يَدَيْ بولسَ آياتًٍ خارِقةً، حتَّى إِنهم كانوا يَأْخُذونَ الى المرضى، مَناديلَ ومآزِرَ لامَسَتْ جِسْمَهُ، فتُفارِقُهمُ الأَمراضُ وتَخْرجُ الأَرْواحُ الشِّرِّيرة.( أع 19: 11-12)

• كل منهما أقام ميتاً: بطرس الرسول؛ أقام من الموت طابيثا " صلى ثم التفت إلى جسدها وقال: يا طابيثا قومي، ففتحت عينيها.. فناولها يده وأقامها .. وأحضرها حية"( أع 9: 36-41). بولس الرسول؛ أقام من الموت شاباً يدعى إفتيخوس، كان قد غلب عليه النوم فسقط من الطبقة الثالثة إلى أسفل. وحمل ميتاً. فأقامه بولس من الموت" وأتوا بالفتى حياً وتعزوا تعزية ليست بقليلة" (أع 20: 7-12

• كل منهما كان جريئاً وشجاعاً في كرازته: القديس بطرس؛ لم يعباء بتهديد اليهود وقال عبارته المشهورة" ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس" (أع 5: 19)، كما لم يخف من اليهود ووبخهم (أع 3: 12 -15). القديس بولس كان جريئاً أمام الحكام: يكفي أن نذكر أن فيلكس الوالي ارتعد أمامه – وهو أسير- لما تكلم عن البر والدينونة والتعفف (أع 24: 25) ولما وقف أمام أغريباس الملك_ في محاكمته_ تكلم بجرأة ( أع 26: 27-29 )

• كانا حازمين في معاقبة الخطأة: نلمس هذا في معاقبة القديس بطرس لحنانيا وسفيرة لما اختلسا من المال وكذبا، فقال لحنانيا" أنت لم تكذب على الناس بل على الله... فوقع حنانيا ميتا ( أع 5: 4) ولما كررت زوجته سفيرة نفس الكذب قال لها بطرس" ما بالكما قد اتفقتما على تجربة روح الرب.. فوقعت في الحال ميتة" كان هذا الحزم لازماً حتى لا تبدأ الكنيسة بالتسيب واللامبالاة" فصار خوف عظيم على جميع الكنيسة وعلى جميع الذين سمعوا بذلك(أع5: 11). وبكل حزم تصرف بولس مع خاطئ كورنثس، الذي وقع في الزنا بالمحرمات. فلما سمع بولس الرسول بذلك، أرسل إليهم قائلاً" كأني غائب بالجسد، لكن حاضر بالروح، قد حكمت.. أن يسلم مثل هذا الشيطان، لإهلاك الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب، ووبخ الشعب وقال لهم: "أعزلوا الخبيث من وسطكم" 1 كو 5: 13).

• كل منهما تعرض لإضطهادات كثيرة: القديس بطرس اضطهد مع باقي الرسل وقام ضدهم وقائد جند الهيكل والصدوقيون(أع 4: 1) وقبضوا عليم ثم أطلقوهم. تشاوروا على قتلهم فجلدوهم واوصوهم الا يتكلوا باسم يسوعاما هم فذهبوا فرحين من امام الجميع لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه( أع 5: 22 -40) كم احتمل لقديس بطرس الجلد لأجل المسيح والسجن أيضاً ( أع 12 : 4). أما القديس بولس فقد لخّص آلامه قائلاً:" فأَنا في ذلكَ أَكثرُ: في الأَتعابِ أَكثرُ، في السُّجونِ أَكثرُ، في الجَلْدِ فَوقَ القياس؛ في أَخطارِ الموتِ غالبًا. جلَدَني اليهودُ خمسَ مرَّاتٍ أَربعينَ جَلْدةً إِلاَّ واحدة؛ ضُرِبْتُ بالعِصيِّ ثلاثَ مرَّات؛ رُجِمْتُ مرَّة؛ انْكَسَرَتْ بيَ السَّفينةُ ثلاثَ مَرَّاتَ؛ قَضَيْتُ نهارًا وليلاً في اللُّجَّة! كثيرًا ما كنتُ في الأَسفارِ في أَخطارِ السُّيولِ، وفي أَخطارِ اللُصوص؛ في أَخطارٍ مِن أُمَّتي، وأَخطارٍ من الأُمم؛ وأَخطارِ في المدينةِ وأَخطارٍ في البرّيَّةِ، وأَخطارِ في البحرِ، وأَخطارٍ بينَ الإِخوةِ الكذَبَة! وفي التَّعب والكدِّ، ((عُرْضةً)) للأسْهارِ الكثيرةِ، للجُوعِ والعَطشِ، للأَصْوَامِ الكثيرةِ، لِلْبَرْدِ والعُرْي! وما عَدا هذه، ما يَتراكمُ عليَّ كلَّ يومٍ، والاِهْتمامُ بجميعِ الكنائس! فمَن يَضعُفُ ولا أَضعُفَ أَنا! مَنْ يعْثُرُ ولا أَحتَرِقَ أَنا!( 2كور: 24-29)

• كل من القديسين نال إكليل الشهادة: كل منهما أنهى حياته شهيداً سنة 67 على يد نيرون قيصر. القديس بطرس استشهد مصلوباً والقديس بولس الرسول قُطِع رأسه بالسيف

كل منهما كان يهوديًّا، وغيَّر الرب اسمه: سمعان إلى بطرس، شاوول إلى بولس. كل منهما حل عليه الروح القدس. وتكلم بألسنة. كان لكل منهما سلطان أن يمنح الروح القدس. كل منهما صنع آيات وعجائب وأقام ميتاً