ملف خاص عن زيارة قداسة البابا للاراضي المقدسة من 11-5-2009 حتى 15-5-2009
كلمة البابا بندكتس أثناء حفل الترحيب في مطار بن غوريون الدولي
السيد الرئيس، السيد رئيس الوزراء، أيها السيدات والسادة، شكراً لاستقبالكم الحار في دولة إسرائيل، في هذه الأرض التي تعتبر مقدسة لدى ملايين المؤمنيين في العالم كله. أشكر السيد شمعون بيريز على كلماته اللطيفة وأقدر الفرصة المتاحة لي لإتمام هذا الحج لأرض قدستها خطى الآباء والأنبياء، أرض يحرص المسيحيون على تكريمها باعتبارها مكان أحداث حياة وموت وقيامة يسوع المسيح. آخذ مكاني في صف طويل من الحجاج المسيحيين لهذه الأماكن، صف يعود في الزمن إلى العصور الأولى من التاريخ المسيحي، وكلي ثقة بأنه سيتواصل في المستقبل. وعلى غرار كثيرين قبلي، جئت لأرفع الصلاة في الأماكن المقدسة، ولأصلي بنوع خاص من أجل السلام – السلام هنا في الأرض المقدسة والسلام في العالم كله. السيد الرئيس، إن الكرسي الرسولي ودولة إسرائيل يتقاسمان قيماً عديدة، أولها الالتزام في الحفاظ على المكان المشروع للدين في حياة المجتمع. إن النظام الصحيح للعلاقات الاحتماعية يفترض ويتطلب احترام حرية وكرامة كل كائن بشري الذي يؤمن المسيحيون والمسلمون واليهود أيضاً بأن إلهاً محباً خلقه وهو موجه نحو الحياة الأبدية. وعندما ينكر البعد الديني للشخص البشري أو يوضع على الهامش، يتعرض للخطر أساس فهم صحيح للحقوق الإنسانية غير القابلة للتصرف. إن الشعب اليهودي اختبر بشكل مأساوي التبعات الفظيعة لإيدولوجيات تنكر الكرامة الأساسية لكل شخص بشري. ولمن الصائب والمناسب، وخلال إقامتي في إسرائيل، أن تتاح لي فرصة تكريم ذكرى ستة ملايين يهودي ضحايا المحرقة، والصلاة كيلا تكون البشرية أبداً شاهدة على جريمة بهذا الحجم. إن معاداة السامية، وللأسف، لا تزال تبعث على التقزز في أماكن عديدة من العالم. وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق. وبالفعل، ينبغي بذل كل جهد لمكافحة معاداة السامية أنى وجدت، ومن أجل تعزيز الاحترام والتقدير إزاء المنتمين لكل عرق، شعب، لغة وأمة في العالم كله. وخلال إقامتي بالقدس، سيسرني أيضاً لقاء عدد كبير من القادة الدينيين الموقرين في هذا البلد. كمل وتتقاسم الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى إكراماً خاصاً لهذه المدينة المقدسة. ورجائي الحار أن يتمكن جميع الحجاج إلى الأماكن المقدسة من بلوغها بحرية وبدون تضييق، ومن المشاركة في الاحتفالات الدينية وتعزيز الحفاظ على دور العبادة في الاماكن المقدسة. ولتتحقق كلمات نبوءة أشعيا الذي قال إن أمماً كثيرة ستصعد إلى جبل الرب وسيعلمها طرقه فتسلك في سبله، سبل السلام والعدالة، السبل التي تقود إلى المصالحة والوئام. (راجع أشعيا 2، 2-5).

وحتى وإن كان اسم القدس يعني "مدينة السلام"، فمن الواضح تماماً أن السلام قد غاب لعقود وللأسف عن سكان هذه الأرض المقدسة. إن عيون العالم شاخصة نحو شعوب هذه المنطقة في ما تناضل لبلوغ حل عادل ودائم للنزاعات التي سببت آلاماً جمة. إن آمال أعداد لا تحصى من الرجال والنساء والأطفال بمستقبل أكثر أماناً واستقراراً تعتمد على نتائج مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وباتحاد مع جميع البشر ذوي الإرادة الطيبة، أتوسل جميع المضطلعين بالمسؤولية التفتيش عن كل طريق ممكن بحثاً عن حل عادل للمصاعب الكبيرة، فيتمكن هكذا كلا الشعبين من العيش بسلام، كل في وطنه، وداخل حدود آمنة ومعترف بها دولياً. وبهذا الصدد، أرجو وأصلي كي يتم سريعاً خلق مناخ ثقة أكبر يمكن الأطراف من تحقيق تقدم حقيقي على الطريق نحو السلام والاستقرار.

أوجه تحية خاصة للأساقفة والمؤمنيين الكاثوليك الحاضرين اليوم هنا. في هذه الأرض حيث حصل بطرس على مهمة رعاية خراف الرب، آتي كخليفة بطرس لأقوم بخدمتي بينكم. وإنه لمن دواعي سروري الكبير الانضمام إليكم لاختتام احتفالات سنة العائلة التي ستجري في الناصرة، موطن العائلة المقدسة، يسوع، مريم ويوسف. وكما قلت في رسالتي ليوم السلام العالمي، إن العائلة هي "المربية الأولى على السلام ولا غنى عنها" (عدد 3)، ومع هذا فإن لها دوراً حيوياً للقيام به لتضميد الانقسامات الموجوجة في المجتمع البشري على كل الأصعدة. وأقول للجماعات المسيحية في الأرض المقدسة: من خلال شهادتكم الأمينة للذي بشر بالغفران والمصالحة، ومن خلال التزامكم في الدفاع عن قدسية كل حياة بشرية، تستطيعون تقديم إسهام مميز كي تتوقف العدائية التي آلمت هذه الأرض لفترة طويلة. أرفع الصلاة كي يحمل حضوركم المتواصل في إسرائيل والأراضي المقدسة ثماراً وافرة لتعزيز السلام والاحترام المتبادل بين جميع الناس العائشين في أراضي الكتاب المقدس. السيد الرئيس، أيها السيدات والسادة، أشكركم مرة جديدة على استقبالكم وأؤكد لكم مشاعريالطيبة. ليمنح الرب شعبه القوة! ليبارك الرب شعبه بالسلام! شالوم!
كلمة البابا بندكتس أثناء زيارته للرئيس الإسرائيلي

سيدي الرئيس، أيها السيدات والسادة، في مبادرة ضيافة ودية رحب بنا الرئيس بيريز في مقره إذ أعطانا إمكانية توجيه تحية للجميع وفي الوقت نفسه مقاسمة بعض الاعتبارات. سيدي الرئيس، نشكرك على ضيافتك اللطيفة وعلى كلمات الترحيب التي أبادلها من صميم القلب. أشكر أيضا الموسيقيين الذين قدموا لنا مقاطع فنية. سيدي الرئيس، في رسالة التهنئة التي وجهتها لمناسبة تسلمكم مهامكم ذآّرت بطيبة قلب بما قمتم به من خدمات ميّزها التزام كبير في تحقيق العدالة والسلام، وأرغب اليوم بأن أؤكد لكم ولرئيس مجلس الوزراء نتنياهو وحكومته المشكلة حديثا، وكذلك أيضا لجميع سكان دولة إسرائيل، على أن حجي إلى الأماكن المقدسة حج صلاة من أجل عطية الوحدة والسلام الثمينة للشرق الأوسط وللبشرية جمعاء. الحق أني أصلي كل يوم كي يعود السلام الذي يولد من العدالة إلى الأرض المقدسة والمنطقة بكاملها حاملا للجميع أمنا ورجاء متجددين.

السلام أولا عطية إلهية. السلام في الواقع وعد الكلي القدرة للجنس البشري بكامله ويحفظ الوحدة. "أنا أعرف ما نويت لكم من خير لا من شر، فيكون لكم الغد الذي ترجون" (إرميا 29، 11). يذكر النبي بوعد الكلي القدرة الذي "سيوجد بيننا" و"يستمع إلينا" و"يجمعنا من بين كل الأمم". ولكن هناك شرط: علينا أن نبحث عنه "بكل قلوبنا" (المرجع نفسه 29، 12-14). إلى القادة الدينيين الحاضرين اليوم أود أن أقول لهم إن إسهام الديانات الخاص في البحث عن السلام يستند أولا إلى البحث الحميم معا عن الله. مهمتنا هي أن نعلن ونشهد على أن الكلي القدرة حاضر حتى عندما يبدو مخفيا عن أعيننا ويعمل في عالمنا من أجل خيرنا وأن مستقبل المجتمع يتميز بالرجاء حينما يسير بتجانس مع النظام الإلهي. حضور الله الحيوي يجمع معا القلوب ويضمن الوحدة. في الواقع، إن آخر أساس للوحدة بين الأشخاص يكمن في وحدانية وجامعية الله الذي خلق الرجل والمرأة على صورته ومثاله ليقودنا نحو حياته الإلهية كي يكون الجميع واحدا. ولذلك على القادة الدينيين أن يعوا أن أي انشقاق أو توتر وأي ميل للانغلاق أو للشك بين المؤمنين أو بين جماعاتنا قد يقود بسهولة إلى تضارب يخفي وحدانية الكلي القدرة ويخون وحدتنا ويتضارب مع الإله الواحد الذي يعلن عن ذاته "كثير المراحم والوفاء" (خروج 34، 6 / مزمور 138، 2 / مزمور 85، 11).

يها الأصدقاء، إن القدس التي كانت منذ زمن بعيد ملتقى لشعوب من مختلف الأصول هي مدينة قادرة على أن تسمح لليهود والمسيحيين والمسلمين بأن يتحملوا واجب التمتع بامتياز أداء شهادة معا للتواجد السلمي الذي طالما شاءه المؤمنون بالإله الواحد وكذلك أيضا بالإعلان عن تدبير الله، الذي أعلن عنه إبراهيم، بشأن وحدة العائلة البشرية وعن طبيعة الإنسان الحقيقة كباحث عن الله. فلنلتزم إذا من خلال توجيه وتعليم جماعاتنا كي يكون الكل أمناء على ما هم عليه من الإيمان، وعيا منهم بصلاح الله اللامتناهي، وبكرامة كل كائن بشري التي لا تمس وبوحدة الأسرة البشرية بكاملها. تقدم القراءات المقدسة فهما عادلا للأمن. فحسب التقليد اليهودي إن الأمن -باتاه- يولد من الثقة ولا يعني فقط غياب التهديد إنما أيضا مشاعر الهدوء والثقة. نقرأ في سفر أشعيا النبي عن فترة بركة إلهية: "لكن الروح تفيض من العلاء، فتصير البرية جنائن والجنائن تعد غابا، فيسكن العدل في البرية ويقيم الحق في الجنائن، ومع العدل يجيء السلام ومع الحق دوام الراحة والأمن" (أشعيا 32، 15-17). إن الأمن والسيادة والعدالة والسلام لا تنفصل في تصميم الله حول العالم. وبعيدا عن آونها ببساطة نتاج الجهد البشري إنما هي قيم تنبعث من العلاقة الأساسية بين الله والإنسان وتكمن كإرث مشترك في قلب كل فرد.

وهناك سبيل واحد لحماية هذه القيم وإنمائها: ممارستها! عيشها! لا يعفى فرد، عائلة، جماعة أو أمة من واجب العيش في العدالة والعمل من أجل السلام. من الطبيعي أن ننتظر من القادة المدنيين والسياسيين أن يضمنوا أمنا عادلا وملائما للشعب الذي أوكلت إليهم خدمته. ويشكل هذا الهدف جزءا من الإنماء العادل لقيم الإنسانية المشتركة والتي لا تتناقض مع وحدة العائلة البشرية. إن القيم والأهداف الأصيلة لمجتمع ما، تصون دائما الكرامة الإنسانية، لا يمكن فصلها فهي جامعية ومترابطة فيما بينها (الخطاب في الأمم المتحدة، 18 نيسان 2008 )، وبالأحرى يصعب تحقيقها عندما تقع فريسة مصالح خاصة أو سياسات مجزأة. تتحقق مصلحة أمة ما من خلال تحقيق العدالة للجميع. أيها السيدات والسادة، السلام الدائم مسألة ثقة تغذيها العدالة والسيادة ويختمها ارتداد القلوب الذي يجبرنا على النظر إلى عيني الآخر لنقر بأنه على مثالي، أخ لي، أخت لي. وبهذه الطريقة ألا يصبح المجتمع نفسه "برية تصير جنائن" (أشعيا 32، 15) لا تميزه المعسكرات والحواجز إنما، التلاحم والتجانس؟ ألا يمكن المجتمع أن يصبح جماعة لها تطلعات نبيلة حيث تعطى للجميع فرصة التربية والمسكن العائلي وإمكانية العمل، مجتمع مستعد للبناء على أسس الرجاء؟

ختاما، أرغب بالتوجه إلى عائلات هذه المدينة وهذه الأرض. أي والدين يريدون العنف وغياب الأمن أو الانشقاق لابنهم أو لابنتهم؟ أي هدف سياسي ذي طابع إنساني يمكن تحقيقه من خلال النزاعات وأعمال العنف؟ أسمع صراخ العائشين في هذا البلد طلبا للعدالة والسلام واحترام كرامتهم والأمن المستقر وحياة يومية خالية من مخاوف التهديدات الخارجية والعنف غير المبرر. أعلم أن هناك عددا كبيرا من الرجال والنساء والشباب يعملون من أجل السلام والتضامن عبر برامج ثقافية ومبادرات دعم عملي وعطوف ولديهم التواضع الكافي للمسامحة والشجاعة لتحقيق ما يحق لهم من أحلام. سيدي الرئيس، أشكركم على لطفكم وأؤكد لكم مرة أخرى صلواتي من أجل الحكومة وجميع مواطني هذه الدولة. فليقد ارتداد قلوب الجميع الأصيل نحو التزام أكثر عمقا من أجل السلام والأمن من خلال تحقيق العدالة لكل واحد. شالوم!
كلمة البابا بندكتس أثناء زيارته نصب "ياد فاشيم" أعطيهم في بيتي وفي داخل أسوار مدينتي جاها واسما... أعطيهم اسما أبديا لا ينقطع ذكره" (أشعيا 56)

إن هذا المقطع من سفر النبي أشعيا يقدم كلمتين بسيطتين تعبران عن المعنى العميق لهذا الصرح المكرم: ياد "جاه"؛ شيم "اسم". جئت هنا لأقف بصمت أمام هذا النصب، المشيد تكريما لذكرى ملايين اليهود الذين قتلوا خلال مأساة المحرقة الرهيبة. فقد هؤلاء حياتهم، لكنهم لن يفقدوا أسماءهم أبدا: إن هذه الأسماء محفورة في قلوب أحبائهم، ورفاقهم في الاعتقال وفي قلوب الأشخاص العازمين على الحيلولة دون تكرار مأساة كهذه تلحق العار بالبشرية. إن أسماءهم محفورة بعمق، قبل كل شيء، في ذكرى الله الكلي القدرة. بإمكان المرء أن يسرق مقتنيات جاره، أن يفوّت عليه فرصا مهمة أو أن يحرمه من حريته. بإمكان المرء أن يحيك شبكة من الأكاذيب ليقنع الآخرين بأن بعض الجماعات لا تستحق الاحترام. ولكن مهما حاول الإنسان لا يستطيع أبدا أن يسلب اسم كائن بشري آخر.

تعلمنا القراءات المقدسة أهمية الأسماء عندما توكل إلى امرئ مهمة فريدة أو هبة خاصة. دعا الله إبراهيم بهذا الاسم لأنه أصبح "أبا لأمم كثيرة" (تكوين 17، 5). سمي يعقوب "بإسرائيل" لأنه "غالب الله والناس وغلب" (تكوين 32، 29). إن هذه الأسماء المكتوبة في هذا النصب المكرم سيكون لها دوما مكان مقدس بين نسل إبراهيم. وكما حصل لإبراهيم فإن إيمانهم أيضا قد جرب. وعلى مثال يعقوب غرقوا هم أيضا في المعركة بين الخير والشر فيما كانوا يناضلون لتمييز مخططات الله الكلي القدرة. فلتبقى أسماء هذه الضحايا حية إلى الأبد! ولا ينكرن أحد آلامهم أو ينقصها أو ينساها! وليسهر كل شخص ذي إرادة طيبة لاستئصال أي شيء يقود إلى مآس مماثلة من قلب الإنسان

إن الكنيسة الكاثوليكية الملتزمة في تعاليم يسوع والتي ترنو إلى الاقتداء بمحبة كل شخص تشعر برحمة عميقة تجاه الضحايا الذين ذكرناهم. وفي الوقت نفسه تقف إلى جانب الذين يعانون اليوم من اضطهادات بدافع العرق واللون والدين والظروف الحياتية وتقاسمهم آلامهم ورجاءهم بالعدالة. إني كأسقف روما وخليفة الرسول بطرس أكرر -وعلى غرار أسلافي- التزام الكنيسة في الصلاة والعمل بدون كلل كي لا يسود البغض أبدا قلب البشر. إله إبراهيم، إسحق ويعقوب هو إله السلام (مزمور 85، 9). تعلمنا القراءات المقدسة أن من واجبنا أن نذكّر العالم بأن هذا الإله حي حتى ولو صعب علينا في بعض الأحيان فهم سبله الخفية والتي لا يسبر غورها. الله أعلن عن ذاته ويواصل العمل في التاريخ البشري. هو وحده يدير شؤون العالم بعدل ويحكم بمساواة كل الشعوب (راجع مزمور 9، 9).
وإذ نوجه أنظارنا نحو الوجوه المنعكسة في مرآة المياه والممتدة بصمت داخل هذا النصب لا يمكننا ألا نتذكر أن كل واحد منهم يحمل اسما. بإمكاني أن أتصور فرح والديهم وهم ينتظرون بشوق مولد أطفالهم. أي اسم نعطيه لهذا الابن؟ ماذا سيحل به أو بها؟ من كان يتصور أنه سيحكم عليهم بمصير مؤلم كهذا! فيما نقف صامتين هنا يدوي صدى صراخهم في قلوبنا. صرخة تتصاعد ضد أعمال الظلم والعنف. تنديد دائم بإراقة دم بريء. صرخة هابيل تنطلق من الأرض إلى الكلي القدرة. وإذ نقر بثقتنا المتينة ننصت إلى الصرخة المنطلقة من مراثي إرميا والمشحونة بمعان كثيرة بالنسبة لليهود والمسيحيين على السواء:
رأفة الرب لا تنقطع ومراحمه أبدا لا تزول. هي جديدة كل صباح، فما أعظم أمانتك! الرب حظي فأرجوه هكذا قالت نفسي. الرب صالح لمن ينتظره، للنفس التي تشتاقه خير أن ينتظر الإنسان خلاص الرب بارتياح" (مراثي إرميا 3، 22-26). أيها الأصدقاء الأعزاء، أشكر الله بعمق وأشكركم على الفرصة التي أعطيت لي لأتوقف هنا بصمت: صمت للتذكير، صمت للصلاة، صمت للرجاء.
كلمة البابا خلال لقاء مع منظمات ملتزمة في الحوار بين الأديان في مركز نوتر دام القدس

أيها الأخوة الأساقفة الأعزاء، أيها القادة الدينيون الموقرون، أيها الأصدقاء الأعزاء، إنه لفرح كبير لي أن التقي بكم هذا المساء. أود أن أشكر غبطة البطريرك فؤاد الطوال على كلماته الترحيبية اللطيفة التي ألقاها باسم جميع الحاضرين هنا. أبادله مشاعره الحارة التي عبر عنها وأحييكم جميعا وأعضاء الجماعات والمنظمات التي تمثلون. "قال الرب لأبرام: "ارحل من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض التي أريك" ... فرحل أبرام ... وأخذ معه ساراي امرأته"
سمع دوي دعوة الله، التي طبعت بداية تاريخ تقاليدنا الإيمانية، وسط حياة الإنسان اليومية، والتاريخ الذي تلا هذه الدعوة صقل من خلال التفاعل مع الثقافات المصرية، الحيثية، السومرية، البابلية، الفارسية والإغريقية. يعاش الإيمان دوما في قلب ثقافة ما، ويبين لنا تاريخ الأديان أن جماعة المؤمنين تسير تدريجيا نحو ملء أمانتها لله إذ تستقي في مسيرتها من الثقافة التي تعايشها لتصقلها. نجد هذه الديناميكية عينها لدى مؤمني الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى: إننا نستجيب لدعوة الله على مثال إبراهيم ونرحل للبحث عن تمام وعوده، نسعى جاهدين للانصياع لمشيئته ونشق دربا في ثقافتنا الخاصة. اليوم وبعد ما يقارب أربعة آلاف سنة على مجيء إبراهيم لا يتم اللقاء بين الأديان والثقافة على صعيد جغرافي وحسب فقد خلقت بعض نواحي ظاهرة العولمة وخصوصا عالم الإنترنت ثقافة افتراضية واسعة النطاق ذات قيمة متنوعة وأوجه عدة. مما لا شك فيه أن انجازات كثيرة تحققت بهدف تعزيز الوحدة والتقارب بين أعضاء العائلة البشرية، على كل حال وفي الوقت نفسه فإن الاستخدام غير المحدود للحاسوب ـ الذي يحصل الأشخاص من خلاله وبسهولة على معلومات من مصادر متنوعة ـ قادر على أن يصبح عامل تفكك: تتفتت وحدة المعرفة فيما يتم إهمال التمييز والتفرقة المأخوذين من التقاليد الأكاديمية والأخلاقية.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن أي إسهام تقدمه الديانات إلى ثقافات العالم للتصدي للتأثيرات السلبية لظاهرة العولمة الآخذة بالانتشار سريعا. وفيما كثيرون مستعدون للإشارة إلى الخلافات بين الديانات والتي يمكن الكشف عنها بسهولة نجد أنفسنا كمؤمنين أمام تحدي الإعلان بوضوح عما لدينا من قواسم مشتركة. إن أول خطوة قام بها إبراهيم على طريق الإيمان والخطوات التي نقوم بها للاقتراب أو الابتعاد عن الكنيس، الكنيسة، المسجد أو الهيكل تقودنا على درب تاريخنا البشري الفريد، تمهد الطريق ـ إن صح التعبير ـ نحو أورشليم الأبدية (راجع أعمال الرسل 21، 23). وبشكل متشابه إن كل ثقافة بقدرتها الخاصة على الإعطاء والقبول تقدم تعبيرا للطبيعة البشرية الوحيدة. على كل حال إن ما يخص الفرد لا يتم التعبير عنه بشكل كامل عبر الثقافة الشخصية إنما يتسامى في بحثه المستمر عما هو أبعد. من هذا التطلع، أيها الأصدقاء الأعزاء، نرى إمكانية وحدة غير منوطة بالتماثل. وقد تبدو في بعض الأحيان الخلافات التي نعالجها في الحوار الديني المشترك كحواجز، مع ذلك فهي لا تقتضي تعتيم المعنى المشترك للمخاوف الوقورة واحترام الطابع الجامعي والمطلق والحقيقة التي تدفع بالدرجة الأولى المؤمنين إلى إقامة علاقات الواحد مع الآخر. إنه اقتناع مشترك بأن الوقائع المتسامية تجد مصدرها في الكلي القدرة وتحمل بصمات الله الذي يمجده المؤمنون الواحد تجاه الآخر وأمام المنظمات ومجتمعنا وعالمنا. بهذه الطريقة لا نغني الثقافة وحسب بل نصقلها: حياة أمانة دينية تردد صدى حضور الله القوي وتشكل ثقافة لا تعرف حدود الزمان والمكان إذ تغذيها أساسا المبادئ والأعمال المتأتية عن الإيمان.

إن الإيمان الديني يتطلب الحقيقة والمؤمن هو من يبحث عن الحقيقة ويعيش استنادا إليها. على الرغم من أن الوسيلة التي نبحث من خلالها عن الحقيقة وندركها تختلف بعض الشيء بين ديانة وأخرى ينبغي ألا تحبط عزيمتنا في الشهادة لقوة الحقيقة. باستطاعتنا أن نعلن سويا أن الله موجود ويمكن التعرف عليه وأن الأرض خليقته وأننا خلائقه وأنه يدعو كل رجل وامرأة إلى نمط حياة يحترم المخطط الذي وضعه من أجل العالم. أيها الأصدقاء، إذا آمنا أن معيار الحكم والتمييز مستمد من الله وموجه للبشرية كلها لا يسعنا أن نكل في جعل هذه المعرفة تؤثر على الحياة المدنية. ينبغي أن توضع الحقيقة بتصرف الجميع لأن أعضاء المجتمع كافة بحاجة إليها. إن الحقيقة تسلط الضوء على الأسس الأدبية والخلقية وتملأ العقل بالقوة اللازمة لتخطي حدوده للتعبير عن أعمق تطلعاتنا المشتركة. الحقيقة لا تهدد التسامح إزاء الاختلافات والتعددية الثقافية بل تجعل الوفاق ممكنا وتثبت النقاش العام في المنطق والنزاهة والوضوح وتمهد الطريق أمام السلام. في الواقع إن إنماء الرغبة في طاعة الحقيقة يوسع آفاق فهمنا للمنطق ولإطار تطبيقه ويجعل ممكنا الحوار الأصيل بين الثقافات والأديان والذي نحتاج إليه اليوم بشكل خاص. يعلم جميع الحاضرين هنا أن صوت الله لا يسمع بوضوح اليوم وبات العقل أصما لا يصغي إلى الصوت الإلهي. لكن هذا "الفراغ" ليس فراغ الصمت بل بالعكس إنه ضجيج الادعاءات الأنانية، الوعود الفارغة والآمال المزيفة التي غالبا ما تملأ الفضاء الذي يبحث فيه الله عنا. ألا يمكننا إذا أن نبني فضاءات وواحات للسلام والتأمل العميق يسمع فيها صوت الله من جديد والذي تكتشف حقيقته داخل شمولية العقل ويحترم فيها كل فرد كشخص، ككائن بشري مشابه لنا بغض النظر عن المكان الذي يقيم فيه، وانتمائه العرقي وصبغته السياسية ومعتقده الديني؟ في عصر مطبوع بالحصول الفوري على المعلومات وبميول اجتماعية تولد نوعا من الثقافة الواحدة، يقوي التأمل العميق، الذي يتصدى لابتعاد حضور الله، العقل ويغذي العبقرية الخلاقة ويسهل التقييم النقدي حيال العادات الثقافية ويرسخ القيمة الكونية للمعتقد الديني

أيها الأصدقاء الأعزاء، إن المؤسسات والجماعات التي تمثلون ملتزمة في الحوار بين الأديان وفي إنماء مبادرات ثقافية على مختلف الأصعدة. من المؤسسات الأكاديمية ـ وهنا أود الإشارة إلى الانجازات المهمة لجامعة بيت لحم ـ إلى الجماعات الملتزمة في مساعدة الوالدين صاحبي الصعاب، من المبادرات التي تنظَم بواسطة الموسيقى وباقي الفنون إلى المثال الشجاع لآباء وأمهات عاديين، من جماعات الحوار إلى المنظمات الخيرية، إنكم تعبرون يوميا عن قناعتكم بأن واجبنا تجاه الله لا يعبر عنه بواسطة العبادة وحسب إنما من خلال المحبة والاعتناء بالمجتمع وبالثقافة وبعالمنا وبجميع المقيمين في هذه الأرض. ثمة من يريدنا أن نعتقد أن اختلافاتنا هي بالضرورة سبب انقسام وينبغي بالتالي تقبلها هكذا. ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك إذ يطالبوننا ببساطة أن نلزم الصمت. لكننا نعلم أنه لا ينبغي أن تصور اختلافاتنا على أنها مصدر لا بد منه للصدام والتوتر أكان بين بعضنا البعض أم على صعيد المجتمع ككل بل على العكس إن هذه الاختلافات تشكل فرصة رائعة لأشخاص من ديانات مختلفة للعيش معا ضمن الاحترام والتقدير العميقين والتشجيع المتبادل للسير على دروب الله. واصلوا السير بشجاعة، بدعم الكلي القدرة وبنور حقيقته، محترمين كل ما يجعلنا مختلفين عن بعضنا البعض ومنمين كل ما يوحدنا كخلائق تباركها الرغبة في حمل الرجاء إلى جماعاتنا والعالم. فليقد الله خطانا على هذه الدرب!
كلمة البابا بندكتس أثناء زيارته للمفتي العام في الحرم الشريف

أيها الأصدقاء المسلمون الأعزاء، السلام عليكم! أشكر جزيل الشكر المفتي العام، محمد أحمد حسين، ومدير الأوقاف الإسلامية في القدس الشيخ محمد عزام الخطيب التميمي، ورئيس مجلس الأوقاف الشيخ عبد العظيم سلهب على كلمات الترحيب التي وجهوها لي باسمكم. إنني ممتن جداً بالدعوة لزيارة هذا المكان المقدس وأتقدم باحترامي لكم ولقادة المسلمين في القدس. إن قبة الصخرة تقود قلوبنا وعقولنا للتأمل بسر الخق وبإيمان إبراهيم. تتلاقى هنا دروب الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى وتذكرنا بما يجمعها. فكل واحدة منها تؤمن بإله واحد، خالق ومنظم كل شيء. تعترف كل واحدة بإبراهيم كأب لها، رجل إيمان منحه الله بركة خاصة. وقد ضمت كل واحدة منها جمعاً من الأتباع على مر العصور وألهمت إرثاً روحياً، فكرياً وثقافياً غنياً. في عالم تمزقه الإنقسامات، وللأسف، يشكل هذا المكان المقدس حافزاً وتحدياً أيضاً للرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة للالتزام في تخطي سوء الفهم ونزاعات الماضي والسير على درب حوار صادق يهدف إلى بناء عالم عدالة وسلام للأجيال القادمة
وبما أن تعاليم التقاليد الدينية تتعلق في النهاية بواقع الله، معنى الحياة ومصير البشرية المشترك –أي كل ما هو بالنسبة لنا مقدس وثمين جداً- قد تكون هناك محاولة في الالتزام بهذا الحوار مع تردد وغموض إزاء إمكانات نجاحه. ويمكننا مع ذلك أن نبدأ بالإيمان بأن الله الواحد هو ينبوع العدالة والرحمة غير المتناهي، ففيه توجد كلاهما في اتحاد تام. وللذين يعترفون باسمه مهمة الالتزام بعزم في الاستقامة مقتدين أيضاً برحمته، حيث أن كلا السلوكين موجهان ضمنا نحو التعايش السلمي والمتناغم للعائلة البشرية. ولهذا السبب، من البديهي أن يظهر الذين يعبدون الله الواحد بأنهم يرتكزون إلى وحدة العائلة البشرية كلها، ويسيرون نحوها. وبكلام آخر، إن الأمانة لله الواحد، الخالق والعلي، تقود للاعتراف بأن الكائنات البشرية ترتبط ارتباطاً وثيقاً ببعضها ببعض، لأنها جميعاً تستمد وجودها من ينبوع واحد، وهي موجهة نحو هدف مشترك. وبما أنها مطبوعة بالصورة الإلهية التي لا تمحى، فهي مدعوة للعب دور فاعل في تذليل الانقسامات وتعزيز التضامن الإنساني

ويضعنا ذلك أمام مسؤولية كبرى. فالذين يكرمون الله الواحد يؤمنون بأنه يعتبر الكائنات البشرية مسؤولة عن أعمالها. ويؤكد المسيحيون أن هبتي العقل والحرية الإلهيتين هما في أساس هذه المسؤولية. فالعقل يساعد على فهم الطبيعة المقدسة والمصير المشترك للعائلة البشرية في ما تدفع الحرية القلب إلى قبول الآخر وخدمته في المحبة. ويصبح هكذا الحب غير المنقسم لله الواحد والمحبة تجاه قريبنا نقطة ارتكاز يدور حولها كل شيء آخر. هذا هو السبب الذي نعمل لأجله بلا كلل لصون القلوب البشرية من الكراهية والغضب والثأر.

أصدقائي الأعزاء، جئت إلى القدس في حج إيمان. أشكر الله على هذه الفرصة المتاحة لي للالتقاء معكم، كأسقف روما وخليفة القديس بطرس الرسول، وكابن ابراهيم أيضاً، "ويتبارك به جميع عشائر الأرض" (التكوين 12، 3 / روما 4، 16-17). أؤكد لكم رغبة الكنيسة الحارة بالتعاون لخير العائلة البشرية. فهي تؤمن بقوة بأن الوعد المعطى لإبراهيم له بعد شامل يعانق جميع الرجال والنساء بمعزل عن انتمائهم أو وضعهم الاجتماعي. وفي ما يواصل المسلمون والمسيحيون الحوار القائم على الاحترام الذي كانوا قد باشروا به، أرفع الصلاة كي يتمكنوا من التعمق بترابط وحدانية الله مع وحدة العائلة البشرية. وبالخضوع لمخططه، مخطط الخلق، والتبحر بالشريعة المكتوبة في الكون وقلب الإنسان، والتأمل بسر عطية كشف الله لذاته، فليتمكن جميع المؤمنين به من إمعان النظر بصلاحه المطلق من دون إغفال انعكاسه في وجه الآخر. ومع هذه الأفكار، أسأل الله بضعة أن يمنحكم السلام ويبارك جميع المنتمين لشعب هذه المنطقة الحبيب. فلنلتزم العيش بروح تناغم وتعاون، مقدمين لله الواحد من خلال الخدمة التي نقوم بها بسخاء بعضنا للآخر. شكراً!








كلمة البابا بندكتس أثناء زيارته للحاخامية الكبرى في مركز هيكال شلومو

حضرة الحاخامين الأكبرين، أيها الأصدقاء الأعزاء، أشكر لكم دعوتكم لي لزيارة مركز هيشال شلومو وأعرب عن امتناني للقائي معكم خلال رحلتي هذه في الأرض المقدسة كأسقف روما. أشكر الحاخام شيفاردي شلومو عامار والحاخام أشكنازي يونا متزغر على كلمات الترحيب ورغبتهما في توطيد عرى الصداقة التي عملت الكنيسة الكاثوليكية والحاخامية الكبرى بجهد دؤوب على تعزيزها خلال العقد الأخير. إن زيارتيكما للفاتيكان عامي 2004 و 2005 تشكلان تعبيرا عن مشاعر حسن النية التي تطبع علاقاتنا النامية. أيها الحاخامان الموقران، أود مبادلتكما هذه الأحاسيس من خلال التعبير عن مشاعر الاحترام والتقدير التي أكنها لكما ولجماعتيكما وأؤكد لكما رغبتي في تعزيز التفاهم المتبادل والتعاون بين الكرسي الرسولي، حاخامية إسرائيل الكبرى والشعب اليهودي في العالم كله.
لقد شكلت مصدر سرور لي منذ بداية حبريتي الثمار الناتجة عن الحوار الدائر بين بعثة لجنة الكرسي الرسولي للعلاقات الدينية مع اليهود والحاخامية الكبرى لبعثة إسرائيل للعلاقات مع الكنيسة الكاثوليكية. أود الإعراب عن شكري لأعضاء البعثتين على تفانيهم وعلى عملهم الشاق كيما تبلغ آمالها هذه المبادرة التي شاءها سلفي السعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني، وهذا ما أكد عليه خلال يوبيل الألفين الكبير. يشكل لقاؤنا اليوم سانحة ملائمة لرفع الشكران لله الكلي القدرة على بركاته التي رافقت حوار اللجنة الثنائية وللتطلع بأمل نحو دوراته القادمة. إن الإرادة الطيبة التي ميزت جهود الموفدين في مناقشة نقاط الوفاق ونقاط الخلاف أيضا، بانفتاح وصبر، مهدت الطريق لتعاون أكثر فعالية في الحياة العامة. إن اليهود والمسيحيين مهتمون معا بضمان احترام قدسية الحياة البشرية ومركزية العائلة وتربية سليمة للشباب وحرية الدين والضمير لمجتمع سليم. مواضيع الحوار هذه تشكل مرحلة البداية فقط لمسيرة تدريجية آمل بأن تكون أكثر صلابة نحو تفاهم متبادل أفضل

لقد رأينا مؤشرا لفعالية سلسلة اللقاءات هذه في قلقنا المشترك حيال النسبية الأخلاقية والإهانات التي تولدها بحق كرامة الشخص البشري. وإذ تعالج الجماعتان المسائل الأخلاقية الراهنة يعترضهما تحد بإشراك الأشخاص ذوي الإرادة الطيبة على مستوى العقل والإشارة لهم بشكل متزامن إلى الأسس الدينية التي تدعم القيم الأخلاقية. فليواصل الحوار الذي انطلق في إعطاء أفكار بشأن إمكانية أن يعمل المسيحيون واليهود معا لإنماء تقدير المجتمع للإسهام الخاص لتقاليدنا الدينية والأخلاقية. إن المسيحيين في إسرائيل لكونهم يشكلون جزءا صغيرا من السكان يقدرون بشكل خاص فرص الحوار مع جيرانهم اليهود

لا أحد ينكر كون الثقة عاملا جوهريا لحوار فعلي. أكرر اليوم أن الكنيسة الكاثوليكية ملتزمة بشكل لا رجوع فيه على الدرب الذي رسمه المجمع الفاتيكاني الثاني من أجل مصالحة أصيلة ومستديمة بين المسيحيين واليهود. ووفقا للإعلان المجمعي -في عصرنا- فإن الكنيسة تواصل تقييم الإرث الروحي المشترك للمسيحيين واليهود وترغب بتفاهم واحترام أعمقين ومتبادلين أكان عبر الدراسات البيبلية واللاهوتية أم عبر الحوارات الأخوية. وليست اللقاءات السبعة للجنة الثنائية التي جرت بين الكرسي الرسولي والحاخامية الكبرى إلا دليلا على هذا! أعبر لكم عن عرفان جميلي على تأكيدكم المتبادل على أن الصداقة بين الكنيسة الكاثوليكية والحاخامية الكبرى ستستمر في نموها في المستقبل ضمن الاحترام والتفاهم.

أصدقائي الأعزاء، أعبر مرة أخرى عن تقديري العميق لترحيبكم بي اليوم. وإني لواثق أن صداقتنا ستبقى مثالا للثقة بالحوار بالنسبة ليهود ومسيحيي العالم كله. وإذا نظرنا إلى النتائج التي توصلنا إليها، وحسب وحي القراءات المقدسة فبإمكاننا أن نتطلع بثقة نحو تعاون بين جماعاتنا -إلى جانب جميع الأشخاص ذوي الإرادة الحسنة- في شجب البغض والاضطهاد في العالم كله. أصلي إلى الله القدير، الذي يختبر ويعرف أفكارنا (مزمور 139، 23) كي ينيرنا بحكمته فنتمكن من العمل بوصاياه ومن محبته بكل قلوبنا وأنفسنا وقدراتنا (راجع تثنية 6، 5) ومن محبة القريب كما نحب أنفسنا (لاويين 19، 18). شكرا!






كلمة البابا بندكتس أثناء صلاة "افرحي" مع أساقفة الأرض المقدسة في العلية

أخوتي الأساقفة الأعزاء، أيها الأب العزيز الحارس، بفرح كبير أحييكم يا أساقفة الأرض المقدسة، في هذه العلية حيث، حسب التقليد، فتح الله قلبه للتلاميذ الذين اختارهم واحتفل بالسر الفصحي، وحيث أوحى الروح القدس يوم العنصرة للرسل الأوائل الخروج وإعلان البشرى السارة. أشكر الأب بيتسابالا على كلمة الترحيب اللطيفة التي وجهها إلي باسمكم. إنكم تمثلون الجماعات الكاثوليكية في الأرض المقدسة، التي بإيمانها وتفانيها، هي كشموع مضاءة تنير الأماكن المسيحية المقدسة التي تشرفت يوما بحضور يسوع، إلهنا الحي. وقد منحكم هذا الامتياز الخاص وشعبكم مكانا خاصا في قلبي، كخليفة بطرس.
قبل عيد الفصح، آان يسوع يعلم بأن قد أتت ساعة انتقاله عن هذا العالم إلى أبيه، وكان قد أحب خاصته الذين في العالم، فبلغ به الحب لهم إلى أقصى حدوده" (يوحنا 13، 1). تذكر العلية بالعشاء الأخير لربنا مع بطرس وباقي الرسل وتدعو الكنيسة للتأمل. وبهذا الروح، نلتقي معا، خليفة بطرس مع خلفاء الرسل، في المكان نفسه حيث أظهر يسوع بتقدمة جسده ودمه العمق الجديد لعهد الحب بين الله وشعبه. وفي العلية، يمكن التعبير بكلمات محبة فقط عن سر النعمة والخلاص الذي نحن رسله وسفراؤه وخدامه. ولأنه هو من أحبنا أولا ويواصل محبتنا، نستطيع الإجابة بالمحبة (راجع الله محبة، 2). إن حياتنا كمسيحيين ليست ببساطة جهدا إنسانيا لعيش متطلبات الإنجيل المفروضة علينا كواجبات. ففي الإفخارستيا، ننجذب داخل سر الحب الإلهي. وتصبح حياتنا قبولا مطيعا وفاعلا لقوة حب أُعطي لنا. وهذه المحبة التي تبدل وهي نعمة وحق (راجع يوحنا 1، 17)، تحثنا، كأفراد وجماعات، على تخطي تجربة الانطواء على ذاتنا في الأنانية أو الخمول، في العزلة والأحكام المسبقة أم الخوف، وعلى إعطاء ذاتنا بسخاء للرب وللآخرين. وتقودنا آجماعات مسيحية للأمانة لرسالتنا بصراحة وشجاعة (راجع أعمال الرسل 4، 13). وفي الراعي الصالح الذي يهب حياته لخرافه، وفي المعلم الذي يغسل أرجل تلاميذه، تجدون، أخوتي الأعزاء، نموذج رسالتكم نفسها في خدمة ربنا الذي ينمي المحبة والشركة.

وللدعوة إلى شركة العقل والقلب المرتبطة بقوة بوصية المحبة وبالدور المركزي الموحد للإفخارستيا في حياتنا، أهمية خاصة في الأرض المقدسة. فالكنائس المسيحية المتعددة الموجودة هنا تمثل إرثا روحيا غنيا ومتنوعا وهي علامة أشكال التفاعل المتنوعة بين الإنجيل والثقافات المتعددة. وهي تذكرنا أيضا بأن رسالة الكنيسة هي أن تبشر بمحبة الله الشاملة وتجمع، من قريب وبعيد، كل الذين دعاهم، فيشكلوا مع تقاليدهم ومواهبهم عائلة الله الواحدة. وقد طبع زمننا، لاسيما منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، دفع روحي جديد نحو الشركة في التنوع داخل الكنيسة الكاثوليكية ووعي مسكوني جديد. فالروح يقود قلوبنا بلطف نحو التواضع والسلام، والقبول المتبادل، التفاهم والتعاون. وهذا الاستعداد الداخلي للوحدة بدفع من الروح القدس هو مقرر كي يتمكن المسيحيون من تحقيق رسالتهم في العالم (راجع يوحنا 17، 21).

وبقدر ما تقبل عطية المحبة وتنمو في الكنيسة، سيكون الحضور المسيحي حيا في الأرض المقدسة والمناطق القريبة. ولهذا الحضور أهمية حيوية لخير المجتمع كله. إن كلمات يسوع الواضحة حول الرباط الوثيق بين محبة الله ومحبة القريب، وحول الرحمة والرأفة والوداعة والسلام والمغفرة، هي خميرة قادرة على تبديل القلوب وصقل الأعمال. إن المسيحيين في الشرق الأوسط، ومع باقي الأشخاص ذوي الإرادة الطيبة، يساهمون، كمواطنين مخلصين ومسؤولين، وعلى الرغم من المصاعب والتضييقات، في تنمية وترسيخ مناخ سلام في التعددية. وأرغب بتكرار ما أكدته في رسالة عيد الميلاد 2006 للكاثوليك في الشرق الأوسط: "أعبر بعاطفة عن قربي الشخصي في هذا الوضع الإنساني غير المستقر والألم اليومي والخوف والأمل الذي تعيشون فيه. وأكرر على مسامع جماعاتكم آلام المخلص: "لا تخف أيها القطيع الصغير فقد حسن لدى أبيكم أن ينعم عليكم بالملكوت" (لوقا 12، 32). (رسالة قداسة البابا بندكتس السادس عشر إلى الكاثوليك العائشين في منطقة الشرق الأوسط لمناسبة عيد الميلاد، 21 ديسمبر 2006).

أخوتي الأساقفة الأعزاء، اتكلوا على مساندتي وتشجيعي في عمل كل ما هو بمقدوركم لمساعدة أخوتنا وأخواتنا المسيحيين ليبقوا هنا في أرض أجدادهم ويكونوا رسل السلام ورواده. أقدر جهودكم المبذولة لتقدموا إليهم، وكمواطنين ناضجين ومسؤولين، العناية الروحية، والقيم والمبادئ التي تساعدهم على القيام بدورهم في المجتمع. ومن خلال التعليم، والتنشئة المهنية وباقي المبادرات الاجتماعية والاقتصادية، من الممكن تحسين أوضاعهم. ومن جهتي، أجدد ندائي لأخوتنا وأخواتنا في العالم كله ليساعدوا الجماعات المسيحية في الأرض المقدسة والشرق الأوسط ويذكروها في صلواتهم. أرغب بانتهاز هذه الفرصة للتعبير عن امتناني للخدمة المقدمة للحجاج الكثر والزائرين الذين يأتون إلى الأرض المقدسة بحثا عن إلهام وتجدد على خطى يسوع. إن تاريخ الإنجيل المقروء في بيئته التاريخية والجغرافية، يصبح حيا وغنيا بالمعاني، ويتم التوصل لفهم أكثر وضوحا لمعنى كلمات الرب وأفعاله. خبرات آثيرة تستحق الذكر لحجاج الأرض المقدسة قد تحققت أيضا بفضل ضيافتكم وإرشادكم الأخوي، لاسيما من قبل الأخوة الفرنسيسكان لحراسة الأراضي المقدسة. وأرغب في تأكيد تقدير وامتنان الكنيسة الجامعة على هذه الخدمة، وآمل، أن يقصد هذا المكان في المستقبل عدد أكبر من الحجاج.

أخوتي الأعزاء، وإذ نوجه صلاتنا الفرحة إلى مريم، سلطانة السماء، فلنضع بثقة بين يديها الخير والتجدد الروحي لجميع مسيحيي الأرض المقدسة. وليتمكنوا بإرشاد رعاتهم، من النمو في الإيمان والرجاء والمحبة والمواظبة على رسالتهم في تعزيز الشركة والسلام.


كلمة البابا بندكتس أثناء زيارته لكاتدرائية اللاتين في القدس

صاحب الغبطة، أشكركم عتى كلمات الترحيب وأشكر أيضاً البطريرك السابق وأؤكد لكما أمنياتي الأخوية وصلواتي. إخوتي وأخواتي الأعزاء في المسيح، إنني مسرور بوجودي اليوم معكم في هذه الكاتدرائية، حيث تواصل الجماعة المسيحية في القدس الاجتماع كما فعلت منذ عصور، وفي الواقع نشأة الكنيسة. وفي هذه المدينة، كان بطرس أول من أعلن بشرى يسوع المسيح السارة يوم العنصرة، عندما انضم زهاء ثلاثة آلاف شخص إلى عدد الرسل. وهنا أيضاً، كان المسيحيون الأوائل "يواظبون على تعليم الرسل والمشاركة وكسر الخبز والصلوات" (أعمال الرسل 2، 42). ومن أورشليم انتشر الإنجيل "في كل الأرض... وحتى أقاصي العالم" (المزمور 19، 4)، وفي كل زمن آزرت جهد مرسلي الإنجيل صلوات المؤمنيين المجتمعين حول مذبح الرب، لابتهال قوة الروح القدس لعمل البشارة.
وكانت هناك بنوع خاص صلوات من دعوتهم أن يكونوا، وكما قالت القديس تريزا دي ليزيو، "الحب العميق في قلب الكنيسة" (رسالة إلى الأخت ماريا القلب الأقدس)، الذي يؤازر عمل البشارة. أرغب بتوجيه تحية تقدير خاصة لرسالة التأمليين الحاضرين هنا وأشكرهم على تفانيهم السخي في حياة الصلاة والتضحية. أشكركم جزيل الشكر على الصلوات التي ترفعونها على نية خدمتي الجامعة وأسألكم أن تكلوا للرب دوماً عملي في خدمة شعب الله في العالم كله. وبكلمات صاحب المزامير، أسألكم أنا أيضاً أن "تطلبوا السلام لأورشليم" (المزمور 122، 6)، وترفعوا الصلاة دوماً من أجل نهاية النزاع الذي سبب آلاماً جمة لشعوب هذه المنطقة. والآن، أمنحكم بركتي.












كلمة البابا بندكتس السادس عشر في قداسه الحبري في وادي يوشافاط

أيها الأخوة والأخوات الأعزاء في الرب، "المسيح قام هللويا!" بهذه الكلمات أحييكم بعاطفة كبيرة. أشكر البطريرك فؤاد الطوال على كلمة الترحيب باسمكم، وأعبر أيضا، وقبل أي شيء، عن فرحتي بوجودي هنا للاحتفال بهذه الإفخارستيا معكم، يا كنيسة أورشليم. اجتمعنا هنا عند أقدام جبل الزيتون، حيث صلى ربنا وتألم، وحيث بكى حبا بهذه المدينة ورغبة بأن تعرف "طريق السلام" (راجع لوقا 19، 42)، وهنا حيث عاد لأبيه مانحا بركته الأرضية الأخيرة لتلاميذه ولنا. نعانق اليوم هذه البركة. إنه يهبها لكم بطريقة خاصة، أخوتي وأخواتي الأعزاء المتحدين برابط مستمر مع الرسل الأوائل الذين التقوا الرب القائم في كسر الخبز واختبروا فيض الروح القدس في "الغرفة بالطابق العلوي"، واهتدوا بعظة القديس بطرس وباقي الرسل. أوجه تحياتي أيضا لجميع الحاضرين وبنوع خاص لمؤمني الأرض المقدسة الذين ولأسباب متعددة لم يستطيعوا أن يكونوا معنا اليوم
وكخليفة القديس بطرس، سرت على خطاه لأعن الرب القائم بينكم وأثبتكم في إيمان آبائكم وألتمس لكم العزاء، عطية الباراقليط. ومن خلال وجودي اليوم أمامكم، أرغب بالاعتراف بالمصاعب والحرمان والألم والمعاناة التي قاساها كثيرون بينكم بسبب تبعات النزاعات التي آلمت هذه الأراضي فضلا عن خبرة التنقل المرة التي عرفتها عائلاتكم والتي -لا سمح الله - قد تعرفها مجددا. آمل بأن يشكل حضوري علامة أنكم غير منسيين وأن حضوركم الدائم وشهادتكم هما في الواقع ثمينان في عيني الله ومكون هام لمستقبل هذه الأراضي. وبسبب جذوركم العميقة في هذه الأماكن، وثقافتكم المسيحية العريقة والقوية، وثقتكم الدائمة بوعود الله، إنكم يا مسيحيي الأرض المقدسة، مدعوون لتكونوا ليس كمنارة إيمان للكنيسة الجامعة وحسب، إنما أيضا كخميرة تناغم، حكمة وتوازن في حياة مجتمع، كان ويستمر في أن يكون متعدد الإتنيات والأديان

وفي القراءة الثانية، يدعو بولس الرسول أهل قولسي "ليسعوا إلى الأمور التي في العلى حيث المسيح قد جلس عن يمين الله" (قولسي 3، 1) يتردد صدى هذه الكلمات بقوة هنا، عند أقدام بستان الجسمانية، حيث قبل يسوع كأس الألم بطاعة كاملة لمشيئة الآب، وحيث بحسب التقليد جلس عن يمين الآب ليتشفع لنا باستمرار، أعضاء جسده. إن القديس بولس، سفير الرجاء المسيحي، عرف قيمة هذا الرجاء وثمنه في الألم والاضطهاد حبا بالإنجيل، ولم يتردد في قناعته بأن قيامة المسيح كانت بداية الخليقة الجديدة. وكما قال لنا: "فإذا ظهر المسيح الذي هو حياتكم، تظهرون أنتم أيضا عندئذ معه في المجد"

إن إرشاد بولس "فاسعوا إلى الأمور التي في العلى" ينبغي أن يتردد صداه على الدوام في قلوبنا. إن كلماته ترشدنا إلى تمام رؤية الإيمان في أورشليم السماوية حيث، وطبقا للنبوءات القديمة، سيكفكف الله كل دمعة تسيل من عيونهم وسيعد مأدبة خلاص لجميع الشعوب

هذا هو الرجاء، وهذه هي الرؤية التي تدفع جميع الذين يحبون أورشليم الأرضية لرؤيتها كنبوءة ووعد لتلك المصالحة الشاملة والسلام الذي يريده الله للعائلة البشرية آلها. للأسف، وعند أسوار هذه المدينة نفسها، إننا مدعوون لندرك كم أن عالمنا بعيد عن إتمام تلك النبوءة والوعد. في هذه المدينة نفسها حيث انتصرت الحياة على الموت، وفاض الروح كأول ثمرة للخليقة الجديدة، يواصل الرجاء محاربة اليأس والحرمان واللامبالاة، في ما تهدد الأنانية، والنزاع، والانقسام، وثقل الإساءات الماضية السلام الذي هو عطية الله ودعوته. ولهذا السبب، ينبغي على الجماعة المسيحية في هذه المدينة التي رأت قيامة المسيح وفيض الروح، بذل المستطاع للحفاظ على الرجاء الذي يعطيه الإنجيل، آخذة في عين الاعتبار علامة الانتصار النهائي للمسيح على الخطيئة والموت، وشاهدة على قوة الغفران ومبينة طبيعة الكنيسة الأكثر عمقا كعلامة وسر بشرية متصالحة، متجددة وواحدة في المسيح، آدم الجديد

وإذ نجتمع عند أسوار هذه المدينة، المقدسة لدى أتباع الديانات الثلاث الكبرى، كيف لنا ألا نتجه بفكرنا نحو دعوة القدس الشاملة؟ وهذه الدعوة التي أعلنها الأنبياء تظهر كحدث أكيد وواقع لا رجوع عنه مؤسس على تاريخ هذه المدينة المتشابك وشعبها. إن اليهود، المسلمين والمسيحيين يعتبرون هذه المدينة كوطنهم الروحي، وكم هناك حاجة لجعلها حقا "مدينة السلام" لكل الشعوب، حيث يستطيع الجميع أن يأتوا في زيارة حج بحثا عن الله وللإصغاء لصوته "صوت يتكلم بالسلام

كانت أورشليم على الدوام مدينة يتردد في شوارعها صدى لغات مختلفة وتدوس حجارتها شعوب من كل عرق ولغة وتشكل أسوارها رمزا لعناية الله بالعائلة البشرية كلها. وكعالم صغير في عالمنا المعولم، وإذا شاءت هذه المدينة أن تعيش دعوتها الشاملة فعليها أن تكون مكانا يعلم الشمولية، واحترام الآخرين، والحوار والتفاهم المتبادل، مكانا حيث يتم تخطي الأحكام المسبقة والجهل والخوف الذي يغذيها، بالنزاهة والاستقامة والبحث عن السلام. ولا ينبغي أن يكون بين هذه الأسوار مكان للانغلاق، والتمييز، والعنف والظلم. ويجب على المؤمنين بإله الرحمة -يهودا، مسيحيين ومسلمين- أن يكونوا أول العاملين لتنمية ثقافة المصالحة والسلام، ولو كانت الميسرة بطيئة وثقل الذكريات الماضية أليما

أرغب هنا بالإشارة مباشرة إلى الواقع المأساوي -الذي هو مصدر قلق دائم لجميع الذين يحبون هذه المدينة وهذه الأرض- واقع رحيل عدد كبير من المسيحيين في السنوات الأخيرة. ولو دفعت أسباب مقنعة كثيرين، وخصوصا الشباب، للهجرة، فإن هذا القرار يؤدي لافتقار هذه المدينة ثقافيا وروحيا. وأرغب اليوم بتكرار ما قلته في مناسبات أخرى: هناك مكان للجميع في الأرض المقدسة! وإذ أحث السلطات على احترام ودعم الحضور المسيحي هنا، أرغب في الآن معا بأن أؤكد لكم تضامن ومحبة ومؤازرة كل الكنيسة والكرسي الرسولي

أيها الأصدقاء الأعزاء، وبالعودة إلى الإنجيل الذي استمعنا إليه، يسرع القديس بطرس والقديس يوحنا إلى القبر الفارغ وقيل لنا إن يوحنا "رأى وآمن" (يوحنا 20، 8) ، وهنا في الأرض المقدسة، وبأعين الإيمان، إنكم لسعداء إلى جانب الحجاج القادمين من كل أنحاء العالم والذين تغص بهم الكنائس والمزارات، برؤية الأماكن التي تقدست بحضور المسيح، وبخدمته الأرضية، آلامه، موته وقيامته وعطية روحه القدوس. هنا، ومثل القديس توما، منحتم فرصة "لمس" الوقائع التاريخية التي هي في أساس إيماننا بابن الله. وما أتمناه منكم أن تواصلوا يوما فيوم في أن "تروا وتؤمنوا" بعلامات العناية الإلهية ورحمة الله الأكيدة، و"تنصتوا" بإيمان ورجاء متجددين لكلمات الوعظ الرسولي المعزية و"تلمسوا" ينابيع النعمة في الأسرار وتثبتوا في الآخرين التزامهم ببداية جديدة، الحرية النابعة من المغفرة، النور الداخلي والسلام، القادرة على حمل الخلاص حتى إلى الأوضاع البشرية الأكثر ظلمة.

وفي كنيسة القبر المقدس، كرم الحجاج على مدى القرون الحجر الذي يقول عنه التقليد إنه وضع على باب القبر فجر قيامة المسيح. ونعود غالبا إلى هذا القبر الفارغ حيث نؤكد مجددا إيماننا بانتصار الحياة ونرفع الصلاة كيما يزال بقوة النور والحياة اللذين يسطعان منذ فجر الفصح من أورشليم على العالم أجمع، كل "حجر ثقيل" من على باب قلوبنا، يمنعنا من الاستسلام الكامل للإيمان والرجاء ومحبة الله. المسيح قام، هللويا! المسيح قام حقا قام، هللويا




كلمة البابا بندكتس أثناء حفل استقباله في القصر الرئاسي في بيت لحم

سيدي الرئيس، أيها الأصدقاء الأعزاء، أحييكم جميعا من صميم القلب، وأشكر بحرارة الرئيس السيد محمود عباس على كلمته الترحيبية. لم تكن رحلة الحج في أراضي الكتاب المقدس لتكتمل بدون زيارة بيت لحم، مدينة داود ومكان مولد يسوع المسيح. ولم أستطع زيارة الأرض المقدسة بدون قبول دعوة الرئيس عباس الكريمة لزيارة هذه الأراضي كي أحيي الشعب الفلسطيني. أعلم كم تألمتم، وأنكم تتألمون من جراء الاضطرابات التي تعاني منها هذه الأرض منذ عشرات السنين. يتوجه قلبي إلى جميع العائلات التي فقدت مساكنها. سأزور عصر اليوم مخيم عايدة للاجئين لأعرب عن تضامني مع الشعب الذي فقد الكثير. وأتوجه إليكم، يا من تبكون أقارب وأحباء فقدتموهم في العمليات العدائية، خصوصا خلال النزاع الأخير في غزة، لأؤكد لكم أنني أشاطركم أحزانكم وأذكركم باستمرار في صلواتي. في الواقع، إني أذكركم جميعا في صلواتي اليومية، وأبتهل من الله العلي هبة السلام، سلام عادل ودائم في الأراضي الفلسطينية وفي المنطقة بأسرها.
سيدي الرئيس، إن الكرسي الرسولي يدعم حق شعبكم في وطن فلسطيني سيد، في أرض أجدادكم، آمن ويعيش بسلام مع جيرانه ضمن حدود معترف بها دوليا. إني أشجعكم وأشجع شعبكم، وإن بدا هذا الهدف بعيد التحقيق في الحاضر، على إبقاء شعلة الرجاء حية، رجاء قادر على إيجاد درب لقاء بين التطلعات الشرعية للإسرائيليين والفلسطينيين نحو السلام والاستقرار. وكما قال سلفي السعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني "لا سلام بدون عدالة ولا عدالة بدون غفران" (رسالة اليوم العالمي للسلام 2002 ). أتوسل إلى جميع الأطراف المورطة في هذا النزاع القديم العهد كي تضع جانبا كل خلاف وتضارب لا يزال عائقا أمام طريق المصالحة ليسلكها الجميع بسخاء ورحمة وبدون أي تمييز. إن تواجدا عادلا وسلميا بين شعوب الشرق الأوسط يمكن أن يتحقق فقط بروح التعاون والاحترام المتبادل حيث يتم الاعتراف بالحقوق والكرامة واحترامها. أسألكم جميعا، وأسأل زعماءكم، أن تستأنفوا بالتزام متجدد هذه الأهداف وتعملوا على تحقيقها، وبشكل خاص اسأل الجماعة الدولية أن تستخدم نفوذها لإيجاد حل. إني على ثقة أنه ومن خلال حوار صادق ومستديم وضمن احترام تطلعات العدالة بالإمكان الوصول إلى سلام دائم في هذه الأراضي.

رجائي أن يتم التخفيف من المشاكل الخطيرة المتعلقة بأمن إسرائيل والأراضي الفلسطينية بهدف توفير حرية تنقل أوسع مع اهتمام خاص بالروابط العائلية والدخول إلى الأماكن المقدسة. للفلسطينيين، شأن كل شعب آخر، الحق الطبيعي في الزواج وتكوين عائلة وفي العمل والتربية والعناية الصحية. أصلي أيضا، وبعون الجماعة الدولية، كي تستمر عملية إعادة بناء المنازل والمدارس والمستشفيات التي تضررت أو دمرتها المعارك وخصوصا خلال النزاع الأخير في غزة. وهذا أمر جوهري كي يتمكن شعب هذه الأرض من العيش في أوضاع يسودها السلام الدائم والرفاهية. إن بنيات تحتية مستقرة قادرة على إعطاء شبابكم أفضل فرص لاكتساب اختصاصات فعالة والحصول على أماكن عمل مع أجر عادل ما يسمح لهم بالتالي من أداء دورهم في تحسين حياة جماعاتهم.

أوجه هذا النداء إلى الشبان الكثيرين الحاضرين اليوم في الأراضي الفلسطينية: اعملوا كي لا يثير ما شاهدتموه من خسائر في الأرواح ودمار خيبة الأمل والمشاعر المرة الطعم في قلوبكم. تشجعوا على مقاومة كل إغراء قد يحملكم على اللجوء إلى أعمال عنف أو إرهاب، بل بالعكس اعملوا كي تجدد خبرتكم عزمكم على بناء السلام وليكن كل هذا حافزا لكم لتقديم إسهام دائم لمستقبل فلسطين فتكون لها مكانتها على المسرح الدولي. فليكن كل هذا محركا لمشاعر الرحمة تجاه جميع المتألمين والتزاما من أجل المصالحة وثقة تامة بإمكانية الوصول إلى مستقبل ساطع. سيدي الرئيس، أيها الأصدقاء المجتمعون هنا في بيت لحم، أسأل للشعب الفلسطيني كله بركات أبينا السماوي وحمايته، وأرفع الصلاة التي أنشدها الملائكة في هذا المكان "السلام على الأرض للبشر ذوي الإرادة الطيبة". شكرا. وليكن الله معكم.
















عظة البابا بندكتس في قداسه الحبري في ساحة المهد في بيت لحم

أيها الأخوة والأخوات الأعزاء بالمسيح، أشكر الله الكلي القدرة لأنه منحني نعمة المجيء إلى بيت لحم، لا لأكرم المكان الذي ولد فيه المسيح وحسب بل لأكون إلى جانبكم أيضا، أيها الأخوة والأخوات بالإيمان في الأراضي الفلسطينية. أعرب عن امتناني للبطريرك فؤاد الطوال على المشاعر التي عبر عنها باسمكم وأحيي بمودة أخوتي الأساقفة وجميع الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين العلمانيين الذي لا يألون جهدا لتثبيت هذه الكنيسة المحلية في الإيمان والرجاء والمحبة. يتجه قلبي بنوع خاص إلى الحجاج القادمين من غزة الممزقة نتيجة الحرب: أسألكم أن تبلغوا عائلاتكم وجماعاتكم معانقتي الحارة لها وتعبروا عن تعازي على الخسائر والصعاب والآلام التي تكبدتموها. كونوا على ثقة بتضامني تضامني معكم خلال مسيرة إعادة التعمير وبصلواتي كي يرفع الحصار بأسرع وقت. "لا تخافوا! ها أنا أبشركم بخبر عظيم ... ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص" (لوقا 2، 10-11) ما يزال يتردد في هذه المدينة صدى رسالة مجيء المسيح، الذي أعلن في السماوات بأصوات الملائكة، كما يتردد وسط العائلات وفي المنازل والعالم كله. قال الملائكة إنه "فرح عظيم" يعم الشعب بأجمعه. رسالة الفرح هذه تعلن أن المسيح ابن الله وابن داود ولد "من أجلكم": من أجلك ومن أجلي ومن أجل رجال ونساء كل زمان ومكان. في تدبير الله أصبحت بيت لحم "صغرى مدن يهوذا" (ميخا 5، 1) مكان مجد أبدي: المكان حيث شاء الله في ملء الأزمنة أن يصير إنسانا ليضع حدا لسيطرة الخطيئة والموت ويحمل حياة جديدة ووافرة لعالم أمسى قديما، متعبا، مضطهدا وبدون أمل
بالنسبة إلى رجال ونساء كل مكان، فإن بيت لحم مرتبطة برسالة الولادة الجديدة والتجدد والنور والحرية. مع ذلك فإن هذا الوعد الرائع يبدو بيننا بعيدا عن أن يتحقق! وتبدو بعيدة مملكة السلام والأمن والعدل والكمال التي تحدث عنها النبي أشعيا كما سمعنا في القراءة الأولى (راجع أشعيا 9، 7) والتي نعلنها بشكل نهائي مجيء يسوع المسيح، المسيح والملك! منذ ولادته كان يسوع ولا يزال حتى اليوم "علامة لسقوط كثيرين وقيام كثيرين آخرين" (لوقا 2، 34). رب الجنود، "يمون منذ القديم، منذ أيام الأزل" (ميخا 5، 2)، كان يريد تدشين مملكته مولودا في هذه المدينة الصغيرة فدخل عالمنا بصمت وبتواضع مغارة، مضجعا في مذود كطفل محتاج. في بيت لحم وسط مختلف أنواع التضاربات، تصرخ هذه الحجارة "البشرى السارة"، رسالة الفداء التي دعيت هذه المدينة قبل غيرها إلى إعلانها على ملء العالم. وفي الواقع وبطريقة تتخطى كل التطلعات والآمال البشرية أظهر الله أمانته لوعوده. ففي ولادة ابنه أعلن مجيء ملكوت المحبة: محبة إلهية تشفي وتسمو بالإنسان، محبة تظهر في ذل وضعف الصليب لكنها تنتصر في القيامة المجيدة لحياة جديدة. أعلن المسيح عن مملكة ليست من هذا العالم، مع ذلك فهي مملكة قادرة على تغييره لأن لديها سلطان تبديل القلوب وإنارة العقول وتقوية الإرادات. إن يسوع إذ اتخذ جسدنا بكل ضعفه وبدله بقوة روحه دعانا لنكون شهودا لانتصاره على الخطيئة والموت. وهذا ما تدعونا إليه رسالة بيت لحم: لنكون شهودا لانتصار محبة الله على البغض والأنانية والخوف والضغينة التي تشل العلاقات الإنسانية وتولد انشقاقات بين الأخوة، الواجب أن يعيشوا بوحدة، ودمارا حيث ينبغي أن يبني البشر، ويأسا حيث يجب أن تتفتح براعم الرجاء!

لأننا في الرجاء نلنا الخلاص" يقول الرسول بولس (رومة 8، 28) ويؤكد بحس واقعي أن الخليقة "تئن حتى اليوم من مثل أوجاع الولادة"، حتى إذا كنا نحن، "الذين لنا باكورة الروح" ننتظر بفارغ الصبر إتمام الفداء (راجع رومة 8، 22-24). في القراءة الثانية يستخلص بولس من التجسد عبرة يمكن تطبيقها بشكل خاص على الآلام التي تختبرونها أنتم يا من اختاركم إله في بيت لحم: "نعمة الله ظهرت لتعلمنا أن نمتنع عن الكفر وشهوات هذه الدنيا لنعيش بتعقل وصلاح وتقوى منتظرين اليوم المبارك الذي نرجوه يوم ظهور مجد إلهنا العظيم ومخلصنا يسوع المسيح" (طيطس 2، 11-13). أليست هي الفضائل التي تطلب من رجال ونساء يعيشون في الرجاء؟ في المكانة الأولى الارتداد المستمر للمسيح الذي ينعكس ليس فقط من خلال أعمالنا إنما أيضا عبر طريقة تفكيرنا: شجاعة التخلي عن خطوط أفكار ومبادرات وردود فعل غير مثمرة وعقيمة، ثقافة نمط تفكير سلمي يستند إلى العدالة واحترام حقوق وواجبات الجميع والالتزام في التعاون من أجل الخير المشترك ومن ثم الثبات في الخير وفي رفض الشر. في بيت لحم يطلب من رسل المسيح ثبات خاص: ثبات في الشهادة الأمينة لمجد الله المعلن عنه في ولادة ابنه، البشرى السارة لسلامه الآتي من السماء ليقيم في الأرض.

لا تخافوا!". هي الرسالة التي يسلمها لكم اليوم خليفة بطرس، مرددا رسالة الملائكة الفصحية والرسالة التي تركها لكم السعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني في سنة اليوبيل الكبير، يوبيل مولد المسيح. اتكلوا على صلوات وتضامن أخوتكم وأخواتكم في الكنيسة الجامعة واعملوا بمبادرات عملية على تمتين حضوركم وتوفير إمكانات جديدة إلى الراغبين في الرحيل. كونوا جسر حوار وتعاون بناء في صنع ثقافة سلام تتخطى الجمود الحالي للخوف والأعمال العدوانية والحرمان. ابنوا كنائسكم المحلية فتجعلوا منها مختبرات حوار ومسامحة ورجاء وكذلك أيضا مختبرات تضامن ومحبة عملية. وقبل كل شيء كونوا شهودا لعظمة الحياة، الحياة الجديدة التي وهبنا إياها المسيح القائم من بين الأموات، الحياة القادرة على إنارة وتبديد الأوضاع الإنسانية الأكثر ظلمة ويأسا. إن أرضكم لا تحتاج فقط إلى بنيات اقتصادية وسياسية جديدة، إنما وبشكل أهم بإمكاننا أن نقول إلى بنية تحتية "روحية" قادرة على بلورة طاقات جميع الرجال والنساء ذوي الإرادة الطيبة في خدمة التربية والنمو وتعزيز الخير المشترك. لديكم الموارد الإنسانية لبناء ثقافة السلام والاحترام المتبادل القادرين على ضمان مستقبل أفضل لأبنائكم. أمامكم هذه المهمة النبيلة. لا تخافوا

إن بازيليك المهد القديمة، التي امتحنها ثقل العصور ورياح التاريخ، تنتصب أمامنا كشاهدة على الإيمان الذي يغلب العالم (راجع 1 يوحنا 5، 4). لا يسع أي شخص يزور بيت لحم ألا يلاحظ أن الباب الذي ندخل من خلاله بيت الرب قد أضحى ضيقا عبر العصور. فلنصل اليوم كيما، وبنعمة الله وبفضل التزامنا، ينفتح أمامنا على مصراعيه الباب المؤدي إلى سر مقام الله بين البشر، باب هيكل شركتنا بمحبته، الباب المؤدي إلى عالم السلام والفرح الدائمين، ولينفتح هذا الباب أمام كل قلب بشري ليجدده ويبدله. وهكذا تواصل بيت لحم ترداد الرسالة الموكلة للرعاة، لنا وللإنسانية: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام للناس أهل رضاه"! آمين.






كلمة البابا بندكتس لدى زيارته مستشفى كاريتاس للأطفال في بيت لحم

أيها الأصدقاء الأعزاء، أحييكم بعاطفة باسم ربنا يسوع المسيح، "الذي مات، بل قام، وهو الذي عن يمين الله والذي يشفع لنا" (راجع روما 8، 34). فليملأ قلوبكم بالفرح إيمانكم بقيامته وبوعده بحياة جديدة بواسطة المعمودية، في هذا الزمن الفصحي! إنني ممتن لكلمة الترحيب التي وجهها إلي باسمكم الأب ميكايل شايغير، رئيس جمعية كيندرهيلف، والسيد إيرنيست لانغينساند الذي ينهي ولايته كرئيس مجلس إدارة مستشفى كاريتاس للأطفال، والأخت إيريكا نوبس رئيسة الجماعة المحلية لراهبات القديسة أليصابات الفرنسيسكانيات في بادوفا. أوجه تحية قلبية أيضا لرئيس الأساقفة روبرت زولليتش والمطران كورت آوش ويمثلان مجلسي أساقفة ألمانيا وسويسرا اللذين ساهما في تنمية رسالة مستشفى كاريتاس للأطفال بمساعدتهما المادية السخية. أشكر الله على هذه السانحة للتعبير للإداريين، الأطباء، الممرضات والعاملين في مستشفى كاريتاس للأطفال، عن تقديري للخدمة الثمينة التي قدموها -ويواصلون تقديمها- للأطفال في بيت لحم وكل فلسطين منذ أكثر من خمسين سنة. أسس الأب ارنيست شنيدريغ هذا المركز اقتناعا منه بأن الأطفال الأبرياء يستحقون مكانا آمنا مما قد يسبب لهم ألما في أزمنة وأماكن النزاع. وبفضل إسهام تشيردلنز ريليف بيت لحم، ظلت هذه المؤسسة واحة هانئة للأكثر ضعفا، وسطعت كمنارة رجاء بالنسبة لقدرة تغلب المحبة على الكراهية والسلام على العنف.
وللمرضى الشباب وأفراد أسرهم المستفيدين من مساعدتكم، أود القول بكل بساطة: "البابا معكم"! هو اليوم معكم شخصيا ولكنه، وفي كل يوم، يرافق روحيا بأفكاره وصلواته، كل فرد منكم، سائلا الله القدير أن يرعاكم بعنايته الدائمة. وصف الأب شنيدريغ هذا المكان "بأحد أصغر الجسور المبنية من أجل السلام". أما الآن وقد ارتفع عدد الأسرة من أربعة عشر إلى ثمانين سريرا ويتم الاهتمام سنويا بحاجات آلاف الأطفال، فلم يعد جسرا صغيرا! فهو يجمع أشخاصا من بلدان ولغات وديانات متعددة، باسم ملكوت الله، ملكوت السلام (راجع روما 14، 17). أشجعكم من كل قلبي على مواظبة رسالتكم في إظهار المحبة لجميع المرضى، الفقراء والضعفاء. واحتفالا بعيد العذراء سيدة فاطمة، أود اختتام كلمتي طالبا شفاعة مريم في ما أمنح الأطفال والجميع بركتي الرسولية

لنصلي: يا مريم، شفاء المرضى، وملجأ الخطأة وأم الفادي: نتحد مع الأجيال الكثيرة التي دعتك "مباركة". أصغي لأبنائك نحن الذين ندعو اسمك. لقد وعدت أطفال فاطمة الثلاث: "في النهاية، سينتصر قلبي الطاهر". ليكن آذلك! فلينتصر الحب على الكراهية، التضامن على الانقسام والسلام على كل شكل من أشكال العنف! وليعلمنا الحب الذي حملته لابنك أن نحب الله من كل قلبنا، وكل قوتنا وكل نفسنا. فليرنا الله القدير رحمته ويشددنا بقوته ويغمرنا بكل خير (راجع لوقا 1، 46-56). نسأل ابنك يسوع أن يبارك هؤلاء الأطفال وكل الأطفال المتألمين في العالم أجمع كي ينالوا صحة الجسد وقوة العقل وسلام النفس، ويدركوا خصوصا بأنهم محبوبون بمحبة لا حدود لها: محبة المسيح التي تفوق كل معرفة . آمين










كلمة البابا بندكتس لدى زيارته مخيم عايدة للآجئين في بيت لحم

السيد الرئيس، أيها الأصدقاء، تتيح لي هذه الزيارة السعيدة إلى مخيم عايدة للاجئين التعبير عن تضامني مع كل الفلسطينيين بدون مأوى الذين يأملون بالعودة إلى مسقط رؤوسهم والعيش في وطن لهم. أشكرك سيدي الرئيس، على تحيتك اللطيفة، وأشكر أيضا السيدة أبو زيد وباقي المتكلمين. كما أعرب للمسؤولين عن وكالة أونروا لإغاثة اللاجئين عن تقديري الذي يشاطرني إياه عدد لا يحصى من الرجال والنساء في العالم، عملهم هنا وفي مخيمات أخرى في المنطقة. وأحيي بنوع خاص أطفال المدرسة ومعلميها. من خلال التزامكم التربوي تعبرون عن رجاء بالمستقبل. إلى كل الشباب الحاضر هنا أقول: جددوا قواكم وجهودكم واستعدوا للوقت الذي ستقع على كاهلكم مسؤولية شؤون الفلسطينيين في الغد الآتي. وللأهل دور كبير في هذا التحضير. ولجميع العائلات الحاضرة في هذا المخيم أقول: لا تتقاعسوا عن مؤازرة أبنائكم في تحصيلهم العلمي وفي تنمية مواهبهم، كيلا يحدث نقص في إعداد وتأهيل أشخاص أكفاء لتبوء مناصب هامة في المجتمع الفلسطيني. أعلم أن عائلات كثيرة مفرقة -بسبب اعتقال وسجن أعضاء منها أو تضييق حرية التنقل- وأن بينكم كثيرين فجعوا لفقدان أعزاء لهم من جراء الأحقاد والعداوات؛ وها إن فؤادي يتحد مع الذين يتألمون ويعانون من جرائها. أؤكد لكم دوام صلاتي من أجل جميع اللاجئين الفلسطينيين في العالم، وبنوع خاص الذين فقدوا منزلا وأعزاء لهم خلال الحرب الأخيرة على غزة.
أود الإشارة والتنويه بالعمل الحميد الذي تقوم به هيئات ومراكز تابعة للكنيسة لصالح اللاجئين هنا وفي أنحاء أخرى من الأراضي الفلسطينية. إن البعثة البابوية لأجل فلسطين، التي تأسست لستين عاما خلا بهدف تنسيق الرعاية الإنسانية الكاثوليكية للمهجرين، تواصل رسالتها الخاصة والضرورية، جنبا إلى جنب مع منظمات أخرى مماثلة. إن حضور الراهبات المرسلات الفرنسيسكانيات لقلب مريم الطاهر في هذا المخيم، يعيد إلى الأذهان شخصية القديس فرنسيس، رسول السلام والمصالحة العظيم وموهبته. وفي هذا المجال، أعرب عن تقديري الخاص لمختلف أعضاء العائلة الفرنسيسكانية لإسهامهم الجبار في رعاية سكان هذه الأراضي ولتسخير ذواتهم "أدوات سلام" حسب العبارة الشهيرة المنسوبة لقديس أسيزي.

أدوات سلام: كم من الأشخاص يتشوقون إلى السلام في هذا المخيم وهذه الأراضي والمنطقة بأسرها! وفي هذه الأيام تكتسب هذه الرغبة معنى عميقا حينما نستذكر حوادث أيار عام 1948 وسنوات نزاع لم يجد بعد حلا له تلت تلك الأحداث. تعيشون الآن ظروفا شحيحة وصعبة، مع تقلص فرص العمل وتشعرون غالبا بالحرمان. إن تطلعاتكم المشروعة إلى وطن دائم، إلى دولة فلسطينية مستقلة، لم تتحقق بعد. وبدل ذلك تجدون أنفسكم، مثل كثير من الناس في هذه المنطقة وفي العالم، محاصرين في دوامة من العنف والاعتداءات والانتقام والدمار المتواصل. يرغب العالم بأسره وبقوة أن تنكسر هذه الدوامة ويأمل بأن يضع السلام حدا للعدائية الدائمة. نحن مجتمعون عصرا في هذا المخيم، تحت عبء الوعي بالجمود الذي يبدو وكأنه طال الاتصالات بين الفلسطينيين والإسرائيليين - الجدار. في عالم، حيث الحدود تنفتح أكثر فأكثر -على التجارة، على الرحلات، على تحرك الناس وعلى المبادلات الثقافية- من المأساوي رؤية انتصاب جدران. وكم نتوق لرؤية ثمار عملية بناء السلام الصعبة! وكم نصلي بحرارة كي تنتهي العدائية التي سببت انتصاب هذا الجدار

من الضرورة بمكان أن يتحلى الطرفان من جانبي الجدار بالشجاعة الكافية لتخطي الخوف وانعدام الثقة إذا ما أرادا التصدي لمشاعر الانتقام للضحايا والإساءة. ويجب التحلي بالشهامة للبحث عن المصالحة بعد أعوام من الصراع المسلح. مع ذلك يعلمنا التاريخ أن السلام يتم فقط عندما يبدي الطرفان المتنازعان استعدادهما للمضي أبعد من الاتهامات والعمل معا بأهداف مشتركة مع اعتبار مصالح واهتمامات الآخرين والسعي الحثيث لتوفير جو من الثقة. لا بد من حضور عزم على تبني مبادرات قوية وخلاقة من أجل المصالحة: إذا أصر كل واحد على تنازلات تمهيدية من قبل الآخر فستكون النتيجة دخول المفاوضات نفقا مسدودا

للمساعدة الإنسانية، شأن التي تقدم في هذا المخيم، دور جوهري، ولكن الحل على المدى البعيد لنزاع كهذا، لن يكون إلا سياسيا. لا أحد ينتظر أن يتوصل الشعبان الفلسطيني والإسرائيلي إلى هذا الحل بمفردهما. إن دعم الأسرة الدولية حيوي. أجدد ندائي إلى كل الأطراف المعنية كي تمارس تأثيرها لإيجاد حل عادل ودائم ضمن احترام المقتضيات الشرعية لجميع الأطراف والاعتراف بحقهم في العيش بسلام وكرامة حسب القانون الدولي. وفي الوقت عينه، تستطيع الجهود الدبلوماسية مع ذلك أن تتكلل بالنجاح إذا ما كان الفلسطينيون والإسرائيليون أنفسهم مستعدين لكسر حلقة العدوان. تراود ذهني الكلمات الرائعة المنسوبة للقديس فرنسيس: "فأضع الحب حيث البغض، والمغفرة حيث الإساءة.. والنور حيث الظلمة، والفرح حيث الكآبة".

أجدد دعوتي لكل واحد منكم من أجل التزام أعمق في إنماء السلام واللاعنف، مقتدين بالقديس فرنسيس وغيره من بناة السلام الكبار. على السلام أن يبدأ من محيطه الخاص في كل عائلة وكل قلب. أواصل صلاتي كي تجد كل الأطراف المتنازعة في هذه الأرض الشجاعة للمواصلة على طريق المصالحة الملزم والضروري. فليزدهر السلام مرة أخرى في هذه الأراضي! وليبارك الله شعبه بالسلام




كلمة البابا بندكتس أثناء القداس الحبري في جبل القفزة في الناصرة

أيها الأخوة والأخوات الأعزاء، "وليسد قلوبكم سلام المسيح، ذاك السلام الذي إليه دعيتم لتصيروا جسدا واحدا!" (قولسي 3، 15). بكلمات بولس الرسول، أحييكم جميعا بعاطفة في الرب! إنني مسرور بمجيئي إلى الناصرة، المكان المبارك بسر البشارة والذي رأى السنوات الخفية من نمو المسيح في الحكمة، القامة والنعمة (راجع لوقا 2، 52) أشكر رئيس الأساقفة إلياس شكور على كلمات الترحيب اللطيفة وأعانق بالسلام الأساقفة، الكهنة، الرهبان، الراهبات وجميع المؤمنين في الجليل، الذين وفي تعددية الطقوس والتقاليد، يقدمون علامة لشمولية كنيسة المسيح. أوجه تحية احترام لرئيس إسرائيل الذي يشرفنا بحضوره، وأرغب بتوجيه شكر خاص لجميع من ساهموا في جعل هذا الاحتفال ممكنا، لاسيما أولئك الذين شاركوا في تخطيط وبناء هذا المسرح الجديد مع مشهد رائع للمدينة
هنا، في مدينة يسوع، مريم ويوسف، اجتمعنا لاختتام سنة العائلة التي تحييها الكنيسة في الأرض المقدسة. وكعلامة واعدة للمستقبل، سأبارك الحجر الأساس لمركز دولي من أجل العائلة، سيبنى في الناصرة. لنرفع الصلاة كي ينمي حياة عائلية قوية في المنطقة، ويقدم دعما وعونا للعائلات أينما كان، ويشجعها في رسالتها المتعذر استبدالها في المجتمع. وأرجو أن تلفت هذه المحطة من حجي انتباه الكنيسة كلها لمدينة الناصرة. نحتاج جميعا، وكما قال هنا البابا بولس السادس، لنعود إلى الناصرة كي نتأمل كل مرة بصمت ومحبة العائلة المقدسة، نموذج كل حياة عائلية مسيحية. هنا، وعلى مثال مريم، يوسف ويسوع، نستطيع أن نقدر أكثر فأكثر قداسة العائلة التي، وفي مخطط الله، ترتكز على الأمانة مدى الحياة لرجل وامرأة، مكرسة بالرباط الزوجي ومنفتحة على عطية الله لحياة جديدة. كم يحتاج رجال ونساء زمننا لاستعادة هذه الحقيقة الجوهرية التي هي في أساس المجتمع، وكم هي هامة شهادة الأزواج في تكوين ضمائر ناضجة وبناء حضارة المحبة!

في القراءة الأولى من سفر يشوع بن سيراخ، تقدم كلمة الرب العائلة كأول مدرسة للحكمة، مدرسة تربي أعضاءها على ممارسة تلك الفضائل التي تقود للسعادة الحقيقية والهناء الدائم. في المخطط الإلهي للعائلة، يحمل حب الزوج والزوجة ثمرة حياة جديدة ويجد تعبيرا يوميا في تضحيات الأهلين لضمان تنشئة متكاملة لأبنائهم، إنسانية وروحية. وينظر إلى كل شخص في العائلة، أكان الطفل الأصغر أم الوالد الأكبر سنا، كشخص بحد ذاته وليس ببساطة كوسيلة لأغراض أخرى. وهنا، نبدأ برؤية الدور الرئيس للعائلة كأول حجر بناء لمجتمع منظم ومضياف. ونتمكن من أن نقدّر، وداخل المجتمع الأوسع، دور الدولة المدعوة لمؤازرة العائلات في رسالتها التربوية وحماية مؤسسة العائلة وحقوقها الفطرية والعمل كي تستطيع كل العائلات أن تعيش وتزدهر بكرامة

في رسالته إلى أهل قولسي، تحدث بولس الرسول بعفوية عن العائلة عندما حاول إظهار الفضائل التي تبني "الجسد الواحد"، أي الكنيسة. وإننا مدعوون، لأن الله "اختارنا وقدسنا وأحبنا" إلى العيش بانسجام وسلام الواحد مع الآخر من خلال التعبير عن عزة النفس والمسامحة بالمحبة كرابط كمال سام (راجع قولسي 3، 12-14). وكما في الرباط الزوجي، يتسامى حب الرجل والمرأة بفعل النعمة إلى أن يصبح مقاسمة وتعبيرا لمحبة المسيح والكنيسة، (راجع أفسس 5، 32). فإن العائلة أيضا المؤسسة على الحب، تدعى لتكون "كنيسة بيتية"، مكان إيمان وصلاة واهتمام عطوف لصالح خير أعضائها الحقيقي والدائم.

إنا إذ نتأمل بهذه الوقائع في مدينة البشارة، يتجه فكرنا نحو مريم "الممتلئة نعمة"، أم العائلة المقدسة وأمنا. تذكرنا الناصرة بواجب إقرار واحترام كرامة ورسالة المرأة الممنوحتين من الله للنساء، وكذلك أيضا بمواهبهن الخاصة. وكأمهات عائلات وقوة عاملة هامة وبفعل الدعوة الخاصة لإتباع الرب في المشورات الإنجيلية، العفة، الفقر والطاعة، فلهن دور أساسي في تكوين "البيئة البشرية" (راجع السنة المائة، 39) حيث العالم وهذه الأرض أيضا بأمس الحاجة إليها: بيئة يتعلم فيها الأطفال أن يحبوا ويقدروا الآخرين ويكونوا مخلصين ويحترموا الجميع، ويمارسوا فضيلتي الرحمة والمغفرة. ونفكر هنا بالقديس يوسف، الرجل البار الذي وضعه الله ربا لبيته. من مثال يوسف القوي والأبوي، تعلم يسوع فضائل الرحمة الحية والأمانة للكلمة المعطاة، الكمال، والعمل القاسي. وفي نجار الناصرة، استطاع أن يرى كيف أن السلطة الموضوعة في خدمة المحبة هي أكثر قوة من السلطة التي تحاول السيطرة. كم يحتاج عالمنا لمثال وإرشاد وقوة هدوء بشر أمثال يوسف

ختاما، ومن خلال التأمل بعائلة الناصرة المقدسة، نرفع نظرنا نحو الطفل يسوع الذي، وفي بيت مريم ويوسف، نما بالحكمة والمعرفة حتى اليوم الذي بدأ فيه رسالته العلنية. وأود هنا التوجه للشباب الحاضرين بنوع خاص. يعلم المجمع الفاتيكاني الثاني أن للأولاد دورا خاصا في تقديس والديهم (راجع فرح ورجاء، 48). أدعوكم للتفكير بذلك وجعل مثل يسوع يقودكم لا لإظهار احترام لوالديكم وحسب إنما لمساعدتهم أيضا على اكتشاف المحبة التي تعطي حياتنا معنى أكمل. وفي عائلة الناصرة المقدسة، كان يسوع من علم مريم ويوسف شيئا عن عظمة محبة الله، أبيه السماوي، الينبوع الأخير لكل حب، فمنه كل أبوة في السماء والأرض

أيها الأصدقاء الأعزاء، سألنا الآب في هذا القداس أن "يساعدنا لنعيش مثل العائلة المقدسة، المتحدة في الاحترام والمحبة". نجدد التزامنا في أن نكون خميرة احترام ومحبة في العالم من حولنا. إن جبل القفزة، يذكرنا وكما حصل مع أجيال الحجاج، بأن رسالة الرب كانت في بعض الأحيان مصدر تناقض ونزاع مع المصغين إليها. للأسف، كما يعلم العالم، اختبرت الناصرة توترات في السنوات الأخيرة أضرت بالعلاقات بين الجماعتين المسلمة والمسيحية. أدعو الأشخاص ذوي الإرادة الطيبة وفي كلا الجماعتين إلى تصحيح الضرر الذي حصل، والعمل، وبالأمانة للإيمان المشترك بالله الواحد، أب العائلة البشرية، لبناء الجسور وإيجاد طرق لتعايش سلمي. فلينبذ كل واحد السلطة المدمرة للكراهية والأحكام المسبقة التي تقتل النفس البشرية قبل الجسد

اسمحوا لي بتوجيه كلمة تقدير لجميع العاملين لحمل محبة الله لأطفال هذه المدينة ولتربية أجيال المستقبل على طرق السلام. أفكر بنوع خاص بجهود الكنائس المحلية، لاسيما في مدارسها والمؤسسات الخيرية، من أجل هدم الجدران ولتكون أرضا خصبة للتلاقي، والحوار، والمصالحة والتضامن. أشجع الكهنة، الرهبان، الراهبات، معلمي التعليم المسيحي والمعلمين الملتزمين إضافة إلى الأهلين وجميع العاملين لخير فتياننا، على المواظبة في الشهادة للإنجيل والثقة بانتصار الخير والحقيقة والاتكال بأن الله سينمي كل مبادرة ترمي إلى نشر ملكوته، ملكوت القداسة، التضامن، العدالة والسلام. وفي الوقت نفسه، أقدر بامتنان تضامن كثير من أخوتنا وأخواتنا في العالم كله تجاه مؤمني الأرض المقدسة، من خلال دعم البرامج والنشاطات القيمة للجمعية الخيرية الكاثوليكية في الشرق الأدنى.

فليكن لي كما قلت" . فلترشدكم وتساعدكم بصلاتها عذراء البشارة التي فتحت قلبها بشجاعة على سر مخطط الله وأصبحت أما لجميع المؤمنين، ولتنل لكم ولعائلاتكم نعمة فتح الآذان على كلمة الرب القادرة على بنياننا وإلهامنا قرارات شجاعة وإرشاد خطانا على درب السلام


كلمة البابا بندكتس لدى زيارته بطريركية الروم الأرثوذكس - القدس

أيها الأخوة والأخوات بالمسيح، بفرح وامتنان عميقين أقوم بهذه الزيارة إلى بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس. لحظة طالما انتظرتها. أشكر غبطة البطريرك تيوفيلوس الثالث على كلماته اللطيفة وتحيته الأخوية والتي أبادله إياها بحرارة. وأود أن أشكر الجميع على إعطائي فرصة اللقاء مرة أخرى بقادة الكنائس والجماعات الكنسية الحاضرة هنا. يتجه فكري صباح اليوم إلى اللقاءين التاريخيين اللذين عُقدا هنا في القدس بين سلفي البابا بولس السادس والبطريرك المسكوني أثيناغوراس الأول، ثم بين البابا يوحنا بولس الثاني وغبطة البطريرك ديودوروس. إن هذه اللقاءات، بما فيها زيارتي، اليوم تحمل في طياتها معنى رمزيا كبيرا إذ تذكرنا بأن "النور المشرق" (راجع أشعيا 60، 1 / رؤيا 21، 10) سطع على العالم بأسره من اللحظة التي أشرق علينا الله من العلى (لوقا 1، 78) وتذكرنا هذه اللقاءات بأن الإنجيل أعلن على جميع الأمم انطلاقا من هذه الأرض.
في هذا المكان المقدس وإلى جانب كنيسة القبر المقدس، حيث قام ربنا المصلوب من بين الأموات من أجل البشرية كلها، وإلى جانب العلية حيث، في يوم العنصرة، "كانوا مجتمعين كلهم في مكان واحد" (أعمال 2، 1)، كيف لنا ألا نشعر بالرغبة في إتمام النوايا الحسنة، والعقيدة السليمة والرغبة الروحية في التزامنا المسكوني؟ أرفع الصلوات كي يعطي لقاؤنا اليوم دفعا جديدا لأعمال اللجنة الدولية المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية، لتضاف إلى ثمار الوثائق الأخيرة والمبادرات المشتركة الأخرى.

وقد شكلت مصدر فرح لكنائسنا مشاركة بطريرك القسطنطينية المسكوني برتلماوس الأول في أعمال سينودوس الأساقفة بروما حول موضوع "كلمة الله في حياة الكنيسة ورسالتها". حفاوة استقباله ومداخلته المؤثرة كانتا تعبيرا صادقا عن الفرح الروحي العميق النابع من سعة الشركة القائمة بين كنائسنا. إن خبرة مسكونية كهذه تشهد للرباط بين وحدة الكنيسة ورسالتها. إن يسوع إذ مد ذراعيه على الصليب إنما أعلن عن ملء رغبته في اجتذاب كل شخص إليه "جذبت إلي الناس أجمعين" (راجع يوحنا 12، 32). وإذ نفخ في وجوهنا روحه، أعلن سلطانه في جعلنا قادرين على المشاركة في رسالته، رسالة المصالحة (راجع يوحنا 19، 30 / 20، 22-23). وهنا، تكمن رسالتنا عبر الفداء الذي يوحد! فلا عجب إذا أن نختبر الخجل من انقساماتنا فيما تتقد رغبتنا في حمل المسيح إلى الآخرين وإعلان رسالة المصالحة (راجع 2 قورنتس 5، 19). وإذ أرسلنا المسيح إلى العالم (راجع يوحنا 20،21) أقوياء ومتحدين بفعل الروح القدس (راجع يوحنا 20، 22) لإعلان المصالحة التي تحمل كل إنسان على الإيمان بأن يسوع هو ابن الله (راجع يوحنا 20، 31)، علينا أن نجد القوة لمضاعفة جهودنا وتحقيق كمال شركتنا وأداء شهادة مشتركة لمحبة الآب الذي أرسل ابنه ليعرف العالم محبته لنا (راجع يوحنا 17، 23).

لألفي سنة خلت تقريبا، وعلى هذه الدروب، سأل فريق من اليونانيين فيليبس: "سيدي، نريد أن نرى يسوع" (يوحنا 12، 22). سؤال يطرح علينا اليوم من جديد هنا في القدس، في الأرض المقدسة، في هذه المنطقة وفي العالم كله. كيف نجيب؟ هل سيسمع جوابنا؟ ينبهنا بولس من مسؤولية جوابنا ورسالتنا في الكرازة إذ يقول: "فالإيمان إذا من السماع، والسماع يكون سماع كلام على المسيح" (رومة 10، 17). من هنا ضرورة أن يؤدي القادة المسيحيون وجماعاتهم شهادة حيوية لما يعلنه إيماننا: الكلمة الأبدي الذي دخل الزمان والمكان على هذه الأرض، يسوع الناصري، الذي سار على هذه الطرقات، يدعو من خلال كلماته وأفعاله أشخاصا من كل الأعمار إلى حياته، حياة الحقيقة والمحبة.

أيها الأصدقاء الأعزاء، إني إذ أشجعكم على الإعلان بفرح الرب القائم من بين الأموات، أود أن أقر بعمل قادة الجماعات المسيحية في هذا الاتجاه الذين يجتمعون بشكل انتظامي في هذه المدينة. إن أكبر خدمة يمكن لمسيحيي القدس تقديمها لمواطنيهم هي تربية وتعليم جيل جديد من المسيحيين المهيئين والملتزمين تحييهم رغبة الإسهام بسخاء في الحياة الدينية والمدنية لهذه المدينة الفريدة من نوعها والمقدسة. الأولوية الأساسية لكل مسؤول ديني هي تغذية إيمان الأفراد والعائلات الموكلة إلى رعايته الدائمة. وإن هذا الاهتمام الرعوي المشترك سيجعل لقاءاتكم الاعتيادية تتميز بالحكمة والمحبة الأخويةالضروريتين ليدعم الواحد الآخر ولمواجهة الأفراح والصعاب التي تطبع حياة الناس. أصلي كي يدرك الجميع أن تطلعات مسيحيي القدس تتماشى مع تطلعات كل سكانها من كل الديانات: حياة موسومة بالحرية الدينية وبالتواجد السلمي -وخصوصا للأجيال الفتية- وبإمكانية التربية وإيجاد مكان عمل وبتطلعات ضيافة ملائمة ومسكن عائلي وبإمكانية الاستفادة من وضع اقتصادي مستقر والإسهام في تحسينه.

صاحب الغبطة، أشكركم مرة أخرى على دعوتكم اللطيفة لي إلى جانب باقي الضيوف. لتحل على كل واحد منكم وعلى الجماعات التي تمثلونها فيض بركاتةالله التي تهب القوة والحكمة! ولينتعش كل واحد منكم في رجاء المسيح الذي لا يخيب!




كلمة البابا بندكتس أثناء زيارته كنيسة القيامة

أيها الأصدقاء الأعزاء بالمسيح، إن نشيد المجد الذي أنشدناه يجمعنا بصفوف الملائكة وبالكنيسة في كل زمن ومكان "كورس الرسل المجيد، حضور الأنبياء وجموع الشهداء" في ما نمجد الله على عمل الفداء الذي تم في آلام يسوع المسيح وموته وقيامته. أمام هذا القبر المقدس حيث "انتصر الرب على الموت وفتح ملكوت السماوات أمام كل مؤمن"، أحييكم جميعا بفرح زمن الفصح. أشكر البطريرك فؤاد الطوال، والحارس الأب بيرباتيستا بيتسابالا على كلمات الترحيب اللطيفة. وأود أن أعبر بالطريقة نفسها عن تقديري الترحيب الذي حفظه لي المسؤولون عن الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية والكنيسة الأرمنية الرسولية. وبفرح كبير أحيي ممثلي الجماعات المسيحية الأخرى في الأرض المقدسة. أحيي الكردينال جون فولي، المعلم الأكبر لجمعية حراس القبر المقدس في القدس وكذلك أيضا فرسان وسيدات الجمعية الحاضرين وأعبر لهم عن امتناني لالتزامهم الدؤوب في دعم رسالة الكنيسة في هذه الأراضي التي تقدست بحضور الرب على الأرض.
إنجيل القديس يوحنا يحكي عن زيارة بطرس والرسول الحبيب للقبر الفارغ في صباح الفصح. واليوم، وبعد عشرين قرنا تقريبا، يوجد خليفة بطرس، أسقف روما، أمام هذا القبر الفارغ ليتأمل في سر الفداء. على خطى الرسول، أود مرة أخرى الإعلان أمام رجال ونساء عصرنا إيمان الكنيسة المتين بأن يسوع المسيح "صلب، مات ودفن"، وبأنه "في اليوم الثالث قام من بين الأموات". وإذ رفع إلى يمين الآب أرسل لنا روحه لمغفرة الخطايا. فليس هناك إلا الذي شاءه الله ربا ومسيحا، "فما من اسم آخر تحت السماء أعطيه الناس نستطيع به أن ندرك الخلاص"

في هذا المكان المقدس انطلاقا من ذاك الحدث الرائع كيف لنا ألا نشعر "بحزن في القلوب" (راجع أعمال 2، 37)، كما حصل مع الذين سمعوا كلام بطرس يوم العنصرة؟ في هذا المكان مات المسيح وقام من بين الأموات كي لا يموت أبدا. وهنا تبدل تاريخ البشرية نهائيا إذ تم تدمير سيطرة الخطيئة والموت مع انتصار الطاعة والحياة. خشبة الصليب تكشف عن حقيقة الخير والشر البسيطة. وتم الإعلان عن عدل الله في هذا العالم وانسكبت نعمة الروح القدس على البشرية بأسرها. في هذا المكان علمنا المسيح، آدم الجديد، أن الكلمة الأخيرة ليست للشر وأن المحبة أقوى من الموت وأن مستقبلنا ومستقبل البشرية هو في يدي الله

القبر الفارغ يحكي لنا عن الرجاء، الذي لا يخيب الآمال، لأنه عطية من الروح للحياة (راجع رومية 5، 5). هذه هي الرسالة التي أريد أن أتركها لكم اليوم في نهاية حجي إلى الأرض المقدسة. ليسد الرجاء من جديد، بنعمة الله، قلب كل شخص يعيش في هذه الأراضي! وليترسخ في قلوبكم وفي عائلاتكم وجماعاتكم لينعش في كل واحد منكم شهادة أكثر أمانة لأمير السلام. الكنيسة في الأرض المقدسة، التي اختبرت كثيرا سر الجلجلة الخفي، مدعوة إلى أن تبقى رائدة نيرة لرسالة الرجاء التي يعلنها هذا القبر الفارغ. يقول لنا الإنجيل إن الله قادر على تجديد جميع الأشياء، وإن التاريخ لا يعيد نفسه بالضرورة، وإن الذكريات قادرة على أن تنقى وإنه يمكن تخطي ثمار المعاناة والعدائية المرة وإن مستقبل عدل وسلام وازدهار وتعاون ممكن لكل رجل وامرأة وللعائلة البشرية كلها، وخصوصا للشعب المقيم في هذه الأرض العزيزة جدا على قلب المخلص

إن كنيسة القيامة القديمة تحمل شهادة صامتة على ماضينا المثقل بالشوائب وسوء التفاهم والنزاعات وعلى الوعد المجيد الذي ما يزال يشع من القبر الفارغ. إن هذا المكان المقدس، حيث تجلت قوة الله في الضعف، وحيث بدل المجد الإلهي الآلام البشرية، يدعونا للنظر مرة جديدة بأعين الإيمان إلى وجه المسيح المصلوب والقائم من الموت. وإذ نتأمل بجسده الممجد، الذي بدله الروح، ندرك بشكل أعمق أننا وبواسطة سر العماد نحمل اليوم أيضا "في أجسادنا كل حين آلام موت يسوع لتظهر حياته أيضا في أجسادنا الفانية" ( 2 كورنتس 4، 10-11). ما تزال نعمة القيام تعمل فينا! فليحرك تأملنا بهذا السر جهودنا، كأفراد وأعضاء في الجماعة الكنسية، كي ننمو في حياة الروح من خلال الارتداد والتوبة والصلاة. ليساعدنا تأملنا بهذا السر وبواسطة قوة الروح على تخطي كل صراع وتوتر مصدره الجسد، وعلى تذليل العقبات الداخلية والخارجية التي تقف في وجه شهادتنا المشتركة للمسيح ولقوة محبته التي تصالح البشر

بكلمات التشجيع هذه، أيها الأصدقاء الأعزاء، أنهي حجي للأماكن المقدسة، أماكن خلاصنا وولادتنا الجديدة بالمسيح. أصلي كيما تستمد الكنيسة في الأرض المقدسة قوة أكبر من التأمل في قبر الفادي الفارغ. إنها مدعوة لأن تدفن في هذا القبر كل الاضطرابات والمخاوف كي تنبعث مجددا كل يوم وتواصل رحلتها على طرقات القدس والجليل وأبعد منهما، معلنة انتصار مغفرة المسيح والوعد بحياة جديدة. إننا كمسيحيين، ندرك أن السلام الذي تطمح إليه هذه الأرض المعذبة له اسم: يسوع المسيح "هو سلامنا"، المسيح الذي صالحنا مع الله بواسطة الصليب، واضعا حدا للعداوة (راجع أفسس 2، 14). لذا فلنضع رجاءنا بالمستقبل بين يديه، كما وضع هو روحه بين يدي الآب ساعة الظلمة

اسمحوا لي أن أنهي خطابي بكلمة تشجيع أوجهها إلى أخوتي الأساقفة والكهنة، وإلى الرهبان والراهبات الذين يخدمون الكنيسة الحبيبة في الأرض المقدسة. هنا أمام القبر الفارغ، وفي قلب الكنيسة، أدعوكم إلى تجديد حماسة تكريس الذات للمسيح والتزامكم في خدمة جسده السري بمحبة. إنكم مدعوون للالتزام في الشهادة للمسيح في هذه الأرض التي قدسها من خلال حضوره ورسالته. بمحبة رعوية اعملوا كي يدرك أخوتكم وأخواتكم وجميع سكان هذه الأرض الحضور الشافي للمسيح القائم من الموت ومحبته التي تصالح البشر مع بعضهم. يطلب يسوع إلى كل واحد منا أن نكون شهودا للوحدة وللسلام بين المقيمين في مدينة السلام هذه. إن المسيح، كآدم الجديد، هو ينبوع الوحدة المدعوة إليها العائلة البشرية برمتها، والكنيسة هي علامة هذه الوحدة وسرها. وكحمل الله، المسيح هو مصدر المصالحة التي هي في الوقت نفسه عطية من لدن الله وواجب مقدس أوكل إلينا.

وكأمير السلام، المسيح هو ينبوع السلام الذي يفوق كل إدراك، سلام أورشليم الجديدة. فليدعمكم المسيح في محنكم، ويعزيكم في معاناتكم ويثبتكم في جهدكم الآيل إلى إعلان ونشر ملكوته. أمنحكم جميعا والأشخاص الموكلين إلى رعايتكم بركتي الرسولية علامة للفرح والسلام الفصحي






كلمة البابا بندكتس لدى زيارته للكنيسة الأرمينية الرسولية

صاحب الغبطة، تحية أخوية بالرب، وأعبر لكم عن أطيب التمنيات بالصحة والعافية وعن عرفان جميلي للسلطات التي أتاحت لي فرصة زيارة كاتدرائية القديس يعقوب في قلب الحي الأرمني القديم بالقدس ولقاء إكليروس البطريركية الموقر وأعضاء الجماعة الأرمنية في المدينة المقدسة. يشكل لقاؤنا اليوم، الذي تسوده مشاعر المودة والصداقة، خطوة إلى الأمام صوب الوحدة التي شاءها الرب لجميع تلاميذه. فقد اختبرنا في العقود الماضية، بنعمة الله، نموا في العلاقات بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الرسولية الأرمنية. كان لي العام الماضي نعمة الالتقاء بالكاثوليكوس وبطريرك الأرمن كاراكين الثاني وكاثوليكوس كيليكيا آرام الأول. إن زيارتيهما للكرسي الرسولي ولحظات الصلاة التي تقاسمناها ساهمت في توطيد علاقات الصداقة وأكدت التزامنا في سبيل قضية مقدسة، قضية إنماء وحدة المسيحيين.
وفيما أرفع الشكر لله، أود الإعراب عن تقديري لالتزام الكنيسة الرسولية الأرمنية في متابعة الحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية. إن هذا الحوار المدعوم بالصلاة حقق تقدما وأدى إلى تخطي سوء التفاهم الذي شهدناه في الماضي وهو يبعث على التفاؤل بالمستقبل. وشكلت مؤشرا للرجاء الوثيقة الأخيرة حول طبيعة الكنيسة ورسالتها التي أعدتها اللجنة المختلطة وعرضتها على الكنائس للدراسة والتقييم. فلنوكل معا مرة أخرى عمل اللجنة المختلطة إلى روح الحكمة والحقيقة كيما يأتي بثمار وافرة تسمح بتعزيز وحدة المسيحيين ونشر الإنجيل وسط رجال ونساء زماننا

منذ العصور المسيحية الأولى كان للجماعة الأرمنية في القدس تاريخ عظيم ميزه ظهور حياة وثقافة نسكية مرتبطتين بالأماكن المقدسة وبالتقاليد الليتورجية التي نمت حول هذه الأماكن. إن هذه الكاتدرائية إلى جانب البطريركية والمؤسسات التربوية والثقافية المرتبطة بها تؤدي شهادة لهذا التاريخ الطويل والمميز. أصلي كي تتمكن جماعتكم دائما من أن تستقي حياة جديدة من هذه التقاليد الغنية وتكون ثابتة في الشهادة الأمينة ليسوع المسيح وعظمة قيامته (راجع فيليبي 3، 10) في هذه المدينة المقدسة. وفي الوقت نفسه أحفظ للعائلات الحاضرة، وخصوصا الأطفال والشبان، ذكرى خاصة في صلواتي. أيها الأصدقاء، أسألكم أن تصلوا معي كي يعمل معا مسيحيو الأرض المقدسة بسخاء ونشاط لإعلان إنجيل مصالحتنا مع المسيح ومجيء ملكوته، ملكوت القداسة والعدالة والسلام. صاحب الغبطة، أشكركم مرة أخرى على ترحيبكم، وأسأل الله فيض نعمه عليكم وعلى الإكليروس ومؤمني الكنيسة الأرمنية الرسولية في الأرض المقدسة. فليكن معكم دائما فرح وسلام المسيح القائم من بين الأموات










كلمة البابا بندكتس خلال حفل الوداع في مطار بن غوريون الدولي

السيد الرئيس، السيد رئيس مجلس الوزراء، أصحاب السعادة، أيها السيدات والسادة، بينما أستعد للعودة إلى روما، أود أن أتقاسم معكم بعضا من الانطباعات القوية التي تركتها فيّ زيارة حجي للأرض المقدسة. كانت لي محادثات مثمرة مع السلطات المدنية، في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، ولاحظت الجهود الكبيرة التي تبذلها كلا الحكومتين لضمان خير الأشخاص. التقيت قادة الكنيسة الكاثوليكية في الأرض المقدسة وسررت برؤية الطريقة التي يعملون فيها معا لرعاية قطيع الرب. وكانت لي أيضا فرصة الاجتماع بقادة مختلف الكنائس المسيحية والجماعات الكنسية وكذلك أيضا قادة الديانات الأخرى في الأرض المقدسة. إن هذه الأرض هي بالفعل تربة خصبة للمسكونية والحوار بين الأديان وأرفع الصلاة كي يحمل غنى تعددية الشهادة الدينية في المنطقة ثمارا لنمو التفاهم ضمن الاحترام المتبادل.
السيد الرئيس، لقد قمنا سويا بزرع شجرة زيتون في مقركم، يوم وصولي إسرائيل. إن شجرة الزيتون، وكما تعلمون، هي صورة استخدمها القديس بولس ليصف العلاقات الوثيقة جدا بين المسيحيين واليهود. وفي رسالته إلى أهل روما وصف القديس بولس كيف أن كنيسة الأمم هي كبرعم زيتونة برية أطعمت في شجرة زيتون طيبة التي هي شعب العهد (راجع روما 11، 17-24). إننا نتغذى من الجذور الروحية نفسها.

نلتقي كأخوة، أخوة عرفوا علاقة متوترة خلال فترات من التاريخ المشترك، ولكنهم يلتزمون اليوم بقوة في بناء جسور صداقة دائمة. تلت الاحتفال في المقر الرئاسي إحدى أهم لحظات إقامتي في إسرائيل زيارة نصب المحرقة في ياد فاشيم، حيث التقيت عددا من الناجين من شرور المحرقة. أعادتني تلك اللقاءات المؤثرة بالذاكرة إلى زيارة أجريتها لثلاث سنوات خلت إلى مخيم الموت في أوشفيتز، حيث أبيد بوحشية عدد كبير من اليهود -أمهات، آباء، أزواج، زوجات، أخوة، أخوات، أصدقاء- في ظل نظام لا يعرف الله كان ينشر أيديولوجية معاداة السامية والكراهية. لا ينبغي أبدا نسيان ذاك الفصل من التاريخ أو إنكاره. على العكس، ينبغي على تلك الذآريات الأليمة أن تقوي عزمنا لنقترب أكثر فأكثر من بعضنا البعض كأغصان شجرة زيتون واحدة، تتغذى من الجذور نفسها وتتحد بمحبة أخوية.

السيد الرئيس، أشكركم على ضيافتكم الحارة والتي هي موضع تقدير، واسمحوا لي بأن أذكر بأني جئت لزيارة هذا البلد كصديق للإسرائيليين، كما أنا صديق للشعب الفلسطيني. إن الأصدقاء يسرون بقضاء وقت مع بعضهم البعض ويتألمون بعمق لرؤية ألم الآخر. لا يستطيع أي صديق للإسرائيليين والفلسطينيين إلا أن يتألم من استمرار التوتر بين الشعبين. ولا يستطيع أي صديق إلا أن يبكي الآلام والخسائر في الأرواح التي أصابت كلا الشعبين في العقود الستة الأخيرة. اسمحوا لي أن أوجه هذا النداء إلى شعب هذه الأراضي: لا لإراقة الدماء! لا للصدامات! لا للإرهاب! لا للحرب! لنكسر دوامة العنف المفرغة. وليبنى سلام دائم يرتكز إلى العدالة، ولتكن هناك مصالحة حقيقية وشفاء

وليكن هناك إقرار جامعي بأن دولة إسرائيل لها الحق في الوجود وفي التمتع بالسلام والأمن داخل حدود معترف بها دوليا. وليكن هناك أيضا إقرار بأن الشعب الفلسطيني له الحق في وطن مستقل وسيد، وفي العيش بكرامة والسفر بحرية. فليصبح "حل الدولتين" حقيقة ولا يبقى حلما. ولينتشر السلام من هذه الأراضي القادرة على أن تكون "نورا للأمم" (أشعيا 42، 6)، ليصل الرجاء إلى مناطق أخرى في العالم تعاني من نزاعات.

إن إحدى المشاهد الأكثر حزنا خلال زيارتي لهذه الأراضي كان الجدار. وإذ مررت بجانبه، رفعت الصلاة من أجل مستقبل حيث تستطيع شعوب الأرض المقدسة العيش معا بسلام وتناغم، بدون الحاجة لوسائل أمن وفصل كهذه، إنما لاحترام وثقة متبادلين، ونبذ كل شكل من أشكال العنف والعدائية. السيد الرئيس، أعلم كم من الصعب تحقيق هذا الهدف. وأعلم كم هي صعبة مهمتكم ومهمة السلطة الفلسطينية. ولكنني أؤكد لكم أن صلواتي وصلوات الكاثوليك في العالم أجمع سترافقكم فيما تواصلون جهودكم لبناء سلام عادل ودائم في هذه المنطقة.

يبقى لي أن أعبر عن شكري الصادق لجميع الذين ساهموا بطرق مختلفة في توفير الأجواء المناسبة لزيارتي. أشكر الحكومة، المنظمين، المتطوعين، وسائل الإعلام وجميع الذين قدموا لي الضيافة والذين رافقوني. كونوا على ثقة أني سأذكركم في صلاتي. أقول لكم جميعا: شكرا، وليكن الله معكم. شالوم

































































































































































Copyright ©2004جميع الحقوق محفوظة كنيسة مار الياس فسوطة